في ذكرى الجلاء .. هل نهبت فرنسا خيرات سوريا ؟؟؟

13-03-2020 3279 مشاهدة


قرأنا جميعاً في كتب تاريخنا أن الإنتداب الفرنسي كان يهدف لنهب خيرات بلدنا، ولكن للأسف لم نقم حتى الآن بتقديم دراسة اقتصادية جدية توضح آلية هذا النهب.

ويقول رأي اخر أن الانتداب قدم لنا ولم يأخذ منا ولولاه لما حصلنا على الكهرباء والماء والخطوط الحديدية وغيرها.

لحسم هذا الموضوع الذي يحتاج الى مزيد من الدراسات الإقتصادية الموثقة، لا يوجد لدينا إلا تقرير أكاديمي توثيقي بحت قامت به لجنة مكلفة من الحكومة السورية التي قررت في جلسة 28 أيار 1949م بالقرار رقم 187 تدقيق كامل حسابات شركة كهرباء حلب EDAP التي كان مقر إدارتها في باريس والتي زودت حلب بالكهرباء والماء وخطوط الترامواي لأول مرة في تاريخها.

عينت الحكومة لجنة للقيام بهذا العمل مؤلفة من القاضي فؤاد جبارة مستشار محكمة التمييز رئيساً وعوض بركات رئيس الدروس المالية عضواً ونعوم شاشاتي المدير الأول السابق لمصرف سوريا ولبنان عضواً، ثم أضيف العضو جيرار بوياجبان إلى اللجنة.

أصدرت اللجنة تقريراً موسعاً مؤلفاً من حوالي مائة وخمس وستين صفحة مرفقاً بجداول حسابات مالية، وملخص هذا التقرير يوضح عملية النهب المنظمة بدقة لخيرات حلب وإعاقة تنمية المدينة بسبب نهب مواردها.

سنقتطف من التقرير الطويل ما يمكن تلخيصه بما يلي:

ترجع إتفاقية تزويد حلب بالكهرباء إلى عام 1924م وهذه الاتفاقية تشتمل على ثلاثة امتيازات وهي الكهرباء والحافلات والماء.

في عام 1923م أصدر حاكم دولة حلب قراراً بتشكيل لجنة لوضع دفتر شروط لمنح امتياز احتكاري لشركة واحدة فقط لتزويد حلب بالكهرباء والحافلات والماء.

تقدمت أربعة بيوت مالية أجنبية وسورية بطلب الإمتياز, ولكن الإمتياز مُنح بتوصية من المفوض السامي الفرنسي في 8 أيلول 1924 لمجموعة مالية مؤلفة من المصرف العقاري الجزائري التونسي وشركة الاستثمارات الكهربائية والصناعية (ليز كسيل) الفرنسية وشركتين بلجيكيتين.

رغم أن عروض هذه المجموعة المالية لم تكن أفضل من سواها ورغم إحتجاج طالبي الإمتياز الآخرين وشكاويهم، تم منح التوصية الامتياز بالتوصية من المفوض السامي.

سرعان ما تنازلت هذه المجموعة المالية عن امتيازها لشركة تم تأسيسها بإسم شركة كهرباء حلب EDAP عام 1930، وهي شركة مساهمة رأسمالها ثلاثة ملايين فرنك فرنسي ومركزها الرئيسي يقع في باريس في مقر شركة (ليز كسيل) الفرنسية نفسه، أي أن التنازل صوري وهو مجرد تبديل للأسماء.

تعداد محيط سكان حلب كان آنذاك حوالى 300 الف نسمة عدد المشتركين بالخدمة الكهربائية كان 1739 مشترك عام 1929 م.

تنص المادة السابعة من صك الإمتياز على أن تتشارك بلدية حلب مع شركة كهرباء حلب وتتقاسم معها الأرباح والخسائر، على أن تقدم البلدية مجاناً طوال مدة الإمتياز الأراضي التي ستشيد عليها شركة الكهرباء الأبنية اللازمة للإستثمار.

فعلياً سلمت البلدية للشركة الأراضي التي استملكتها من أراضي وقف العثمانية ذوات المحاضر أرقام 82-83-91 من المنطقة العقارية الثانية في حلب وهي مقر شركة الكهرباء حالياً، فشيدت عليها بناء الإدارة وبناء مركز توليد الكهرباء والمخازن ومستودعات الحافلات.

اشترطت الاتفاقية على أنه يجب أن يُطرح للإكتتاب في الأسواق السورية خمس وأربعون بالمئة من أسهم شركة كهرباء حلب المساهمة ليتسنى للسوريين الإشتراك في ملكية الشركة.

لكن يظهر من مراجعة جدول المساهمين أنه لم يتم الإعلان في سوريا عن طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام وأن المساهمين السوريين لا تكاد تبلغ نسبتهم العشرة بالمائة.

ذكر تقرير اللجنة التي قامت بتدقيق الحسابات أن دفاتر محاسبة الشركة هي من النوع ذي الصفحات السائبة التي يمكن إخراجها وإعادتها في كل وقت, ولا تضمها إلا حلقات تفتح بواسطة قفل حديدي في قاعدة الدفتر.

لهذا السبب يمكن أن يقال إن دفاتر الشركة لا تتوافر فيها الضمانة القانونية ولا يصح الوثوق بها ثقة تامة, وأن الشركة لا تمسك دفتر اليومية على الأصول.

كانت شركة كهرباء حلب تنكر على شريكتها بلدية حلب حقها بمراقبة الحسابات وترفض إطلاع مفوض المجلس البلدي عليها حتى عام 1938م.

ولاحظت اللجنة أيضاً أن مدقق حسابات الشركة في عام 1945م الذي يجب عليه قانوناً أن يكون حيادياً ويقوم بتدقيق أعمال محاسبي الشركة هو فعلياً من موظفي الشركة ويتقاضى رواتبه منها، ويذكر أيضاً أن ميزانية الشركة المعلنة تشير لغاية عام 1943 إلى أن الشركة خاسرة وتعاني عجزاً مستمراً.

وتغطية هذا العجز المالي كانت تقع على عاتق خزانة بلدية حلب التي كانت تدفع للشركة حوالى ثلث موازنتها العامة، مما أوقع شللاً في نشاطها وسبب تأخر العمران في مدينة حلب وفقدان خدمات عامة كان بوسع البلدية أن تقدمها لولا هذا الكابوس الجاثم على كاهلها.

في عام 1936م ألف المجلس البلدي لجنة لتدقيق موازنة بلدية حلب التقديرية وأعطت تقريراً في جلسة 23 كانون الثاني 1936م خلاصته “إن لجنة بلدية حلب تشعر بالإحتياج الشديد لتصليح وتعمير الطرقات داخل المدينة وإنشاء كهريز عام ولكنها غير قادرة على ذلك بسبب أخذ أهم واردات المدينة لتسديد عجز شركة كهرباء حلب”.

والخلاصة أن البلدية تعتبر شريكة للشركة صاحبة الامتياز, ويجب أن تُقاسم الشركة الأرباح ولكن فعلياً هي وحدها التي تتحمل الخسائر الافتراضية ولا تتقاضى أية أرباح.

والمشكلة الكبرى أن اللجنة توصلت لنتيجة مفادها أنه بعد تدقيق النتائج المالية بالنسبة للشركة يتبين أن المعدل الوسطي للربح الذي جناه رأس المال للشركة يبلغ إثنان وعشرون ونصفاً بالمائة من رأس المال، أي أن الشركة كانت تربح ولا تعاني عجزاً أو خسارة ومع ذلك كانت تُلزم البلدية بدفع مبالغ كبيرة بحجة أنها تدفع حصتها من الخسائر.

لاحظ تقرير اللجنة أيضاً حالات فساد ضخمة في لجنة مشتريات المواد الأولية للشركةـ وزيادات كبيرة وهمية في الأسعار تشير إلى عمولات ضخمة كان يتلقاها موظفو الشركة.

وأوردت في تقريرها عدة أمثلة عملية على ذلك، منها صفقة عقدتها الشركة مع صاحب مصنع حلبي لشراء قطع لوصل انابيب المياه بسعر القطعة 25 ليرة سورية وعندما راجعت اللجنة صاحب المصنع صرح بأنه باع القطعة للشركة بـ 22 ليرة وأنه الآن مستعد لبيعه بـ 12 ليرة سورية.

كما لاحظت اللجنة أن واردات الشركة كانت تحول يوماً بيوم من حلب إلى باريس وتوضع في حساب شركة ليز كسيل في حساب جار، ولاحظت أن الشركة كانت تبتاع من السوق السورية كميات كبيرة من الذهب تبلغ عشرات الألوف من الليرات الذهبية وتبين أنها تودع في حساب أموال الشركة الخاصة في بيروت حيث لا يمكن التثبت من مصيرها.

وبذلك نكون أوردنا بعجالة وبتلخيص شديد مضمون التقرير الذي يستحق المزيد من البحث والتمحيص.

ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من صدور هذا التقرير وتوضيح مدى النهب المنظم الذي مارسته هذه الشركة الفرنسية، فتم الإتفاق في بداية عام 1951 بعدما صدر عن الدولة السورية مرسوم تأميم هذه الشركة على أن تدفع الحكومة السورية لشركة الكهرباء الفرنسية عن منشأتها التي تم تأميمها تعويضاً قدره حوالى سبعة ملايين ليرة سورية وهذا الرقم يظهر أرباحاً خيالية تتعدى بست عشرة مرة رأسمال الشركة !!

شارك الموضوع مع اصدقائك !!
لمتابعة أحدث منشورات دار الوثائق الرقمية التاريخية على شبكات التواصل الاجتماعي :

مواضيع اخرى ضمن  مدونة المحامي علاء السيد

02-10-2022 3936 مشاهدة
حقيقة قصة السلطان عبد الحميد مع اليهودي قراصوه التي لا أساس لها

عندما بدأت الحملة الممنهجة لتبييض صورة السلطان عبد الحميد عمدت بعض الكتابات العربية للترويج لقصة اليهود الدونمة ومحاولتهم شراء أجزاء من فلسطين ورفض السلطان عبد الحميد لذلك بطريقة بطولية مما دعا هؤلاء لخلعه  المزيد

02-10-2022 3240 مشاهدة
السلطان عبد الحميد والرقابة على الصحف وتقييد الحريات

جاء في الفصل الأول المعنون : الشخصية الحميدية  من كتاب "أوهام الذات المقدسة السلطان عبد الحميد لمؤلفه المحامي علاء السيد وذلك تحت تحت عنوان : رقابة المطبوعات الحيوية  المزيد

13-08-2022 4136 مشاهدة
مصادر ومراجع كتاب "أوهام الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" لمؤلفه المحامي علاء السيد

اعتمد كتاب"أوهام الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" على حوالى 78 مصدرا ومرجعا و على ما نشر في حوالى 17 جريدة ومجلة من أخبار ومقالات متعلقة بما ورد في الكتاب  المزيد

13-08-2022 3620 مشاهدة
الفهرس الكامل لكتاب "أوهام الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" لمؤلفه المحامي علاء السيد

الفهرس  6 , مقدمة  9 , تمهيد  11 , الفصل الأول: الشخصية الحميدية  29 , طفولة سلطان  31 , شروط مدحت  33  المزيد

13-08-2022 3137 مشاهدة
السلطان عبد الحميد وحقيقة رفضه بيع فلسطين لهرتزل زعيم الصهاينة وعرضه حلب بديلا عنها

أفرد كتاب "الذات المقدسة ، السلطان عبد الحميد الثاني" فصلاً كاملاً بعنوان : "السلطان عبد الحميد وقضية فلسطين" في 56 صفحة فيها 116 اشارة توثيقية مرجعية  المزيد

13-08-2022 3874 مشاهدة
أراء المؤرخين بشخصية السلطان عبد الحميد الثاني .المحامي علاء السيد

لإيفاء دراسة شخصية عبد الحميد حقها، يجب أن نعي تماماً أن هذه الشخصية تطورت وتعقدت خلال ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً من الحكم،  المزيد

13-08-2022 2226 مشاهدة
تعاون السلطان عبد الحميد مع اليهود لاستيطان مدينة القدس. المحامي علاء السيد

إن الاستيطان اليهودي في فلسطين زمن الدولة العثمانية حتى نهاية عهد السلطان عبد الحميد وقبل عهد " الاتحاد والترقي" بُني على طريقتين  المزيد

02-08-2022 2823 مشاهدة
مقالة نقد كتاب أوهام الذات المقدسة بعنوان : السلطان عبدالحميد الثاني، بين الكتابة الصحافية وغياب منهجية البحث العلمي

مقالة نقد كتاب أوهام الذات المقدسة بعنوان : السلطان عبدالحميد الثاني، بين الكتابة الصحافية وغياب منهجية البحث العلمي. والرد على المقال .  المزيد

أكثر الكتب مشاهدة

مكتبة الفيديو