مناسبة الذكرى السنوية لوفاة السلطان العثماني ياووز سليم الأول في التاسع من شوال عام 926 هجري/ 1520م أي منذ حوالى خمسمائة سنة وهو السلطان الذي تقدم بجيوشه العثمانية تجاه بلاد الشام ثم مصر والحجاز.
ما الذي دعا هذا السلطان للتفكير بالسيطرة جنوبا تجاه البلاد العربية؟
بعدما كان توجه الجيوش العثمانية سابقا نحو أوروبا الشرقية بدءا من استانبول ومولدافيا وبولونيا وألبانيا، وكان سلفه السلطان بيازيد قد بدأ بالتوجه جنوب الأناضول لجهات ديار بكر.
جاء في كتاب " "طريق الحرير- قراءة معاصرة لدور محاور التجارة الدولية في قيام وسقوط الإمبراطوريات والدول" في الفصل الرابع تحت عنوان :القرن السادس عشر -العصر العثماني الذهبي:
"حققت السلطنة العثمانية في عهد السلطان بيازيد الثاني تنامياً مستمراً في العوائد الضريبية التجارية فوصلت واردات تجارة الحرير مثلاً في بورصة وحدها عام 1412م إلى ثلاثة وأربعين ألف دوقية ذهبية، فقد تحولت مدينة بورصة إلى سوق عالمي للحرير، وصلت واردات الجمارك في ذلك العهد من التوابل في بورصة وحدها إلى حوالى ألفي دوقية ذهبية سنوياً ، كانت حلب الواقعة تحت سيطرة الدولة المملوكية هي المنافس الأهم لبورصة في مجال تجارة الحرير، فقد كان الحرير يصلها من تبريز عبر منطقة أرض روم وحوض الفرات وديار بكر .
كان لا بد للعثمانيين عاجلاً أم آجلاً من التوسع باتجاه سوريا والعراق ومصر، وصولاً شرقاً الى تبريز للسيطرة على هذه المنافذ التجارية ذات الإيرادات الضخمة.
من الجلي أن الدولة الصفوية كانت تتوسع على طول محور التجارة البري الدولي القادم من أفغان ستان
وباتجاه المحور التجاري البحري البري المنطلق من الخليج العربي الفارسي من ميناء البصرة ومنه شمالاً إلى بغداد وصولاً إلى ديار بكر.
كان لابد للعثمانيين من الوقوف في وجه التوسع الصفوي بل استباق خططه الواضحة بالتقدم نحو حلب كمحطة رئيسية على طريق التجارة الدولي تلي محطة ديار بكر التي وصلها الصفويون.
انطلق السلطان سليم بجيشه باتجاه "تبريز" في جنوب شرق أذربيجان وهي نقطة التجمع الرئيسية في الشرق قبل انطلاق القوافل التجارية على طريق التجارة الدولية، التقى السلطان بجيش الشاه اسماعيل الصفوي غربي تبريز في صحراء جالديران واستطاعت قواته أن تحقق انتصاراً كاسحاً على الصفويين في معركة جالديران الهامة عام 1514م.
سيطر السلطان سليم على شرقي الأناضول وجنوبه وكامل الهضبة الأرمنية واستولى على أذربيجان شمال الهضبة الأرمنية ليسيطر تماماً على الطريق التجاري البري ما بين الصفويين وروسيا، ويجبر القوافل على المرور بالأراضي التي يسيطر عليها العثمانيون.
توسع السلطان سليم باتجاه منطقة ديار بكر وماردين ومرعش وسنجار وجزيرة ابن عمر وصولاً الى ميناء بيره جك على نهر الفرات، ثم سيطر على الرقة كذلك .
شكلت واردات ولاية ديار بكر لاحقاً باعتبارها محطة تجارة رئيسية رافداً مهماً للخزينة العثمانية، على سبيل المثال بلغت وارداتها عام 1528م خمساً وعشرين مليون أقجة فضية عثمانية.
انطلق السلطان سليم عام 1516م باتجاه منطقة "البستان" شمالي حلب ثم سيطر على عينتاب وأضنة، ليلتقي مع جيش المماليك بقيادة قانصوه الغوري قرب حلب في معركة مرج دابق التي قضت فيها المدافع العثمانية على جيش المماليك، ليدخل السلطان سليم مدينة حلب المحطة التجارية الأهم على محور التجارة الدولي عام 1516م."
ما زالت حلب مطمعا اقتصاديا كما كانت منذ 500 سنة.
جميع الحقوق محفوظة لـدار الوثائق الرقمية التاريخية © 2024 https://dig-doc.org/ |