جاء في الفصل الأول المعنون : الشخصية الحميدية من كتاب "أوهام الذات المقدسة السلطان عبد الحميد لمؤلفه المحامي علاء السيد
وذلك تحت تحت عنوان : رقابة المطبوعات الحيوية
" كتب محمد كرد علي في مقالة نشرها في مجلته المقتبس في أيار 1909م حملت عنوان "السلطان عبد الحميد المخلوع":
"أصبح ما يطبع تحت السماء العثمانية في الثلثين الأخيرين من حكمه (يقصد عبد الحميد) عبارة عن كتب خرافات وزهد وتلفيق، أو أماديح كاذبة له ولأرباب المظاهر، أو أموراً عادية لا ترقي عقلاً ولا تزيل جهلاً، ووصلت المراقبة على المطبوعات في أيامه إلى درجة من الهزل لم تصل إليها في أمة مغلوبة على أمرها، فرفعت من المعاجم كثير من الألفاظ كالعدل والمساواة والقانون الأساسي والجمهورية ومجلس النواب والخلع والديناميت والقنابل، وأصبحت الجرائد أبواقاً تضرب بتقديسه وتأليهه والعياذ بالله، أو تكتب في التافه من الأخبار والأفكار، جرى كل هذا برأيه ورضاه لا كما يزعم بعض من يريدون أن يستحلوا له الأعذار الباردة من أنها كانت من عماله ووزراءه وهو لا علم به بما يأتون" .
(انظر: مجلة المقتبس، ج 3 مج 4، ص 140، مقال لصاحب المقتبس محمد كرد علي عدد ربيع الأول 1327 / أيار 1909م، حمل عنوان "السلطان عبد الحميد المخلوع".)
قمع عبد الحميد أي انتقاد أو معارضة له أو لأسلوب حكمه في الصحف والمجلات والمنشورات والمؤلفات وشدد الرقابة عليها، وقمع المفكرين الذين انتقدوا أسلوب حكمه، كانت رؤيته أن رعاياه عبارة عن أطفال ستغرر بهم أفكار المفكرين وأفضل طريقة لمنع أن يغرر بهم هي منع وصول الأفكار إليهم أصلاً.
يقول عبد الحميد في مذكراته السياسية:
"إن الرقابة أَمر حيوي فِي الْبِلَاد العثمانية، يخطئ من يظنّ غير ذَلِك، وَقِيَاس مؤسساتنا بمؤسسات بِلَاد الغرب هُوَ قِيَاس مَعَ الْفَارِق، قد يكون السَّبَب في تقبل النَّقْد الصحفي عِنْدهم هُوَ انتشار الوعي الثقافي بَين طَبَقَات الشّعب، أما فِي بِلَادنَا فالشعب لم يزل قَلِيل الْمعرفَة سريع الاغترار، فَنحْن مضطرون إِلَى أَن نعامل رعايانا مُعَاملَة الاطفال، والحقيقة أَنه لَا فرق بَينهم وَبَين الْأَطْفَال الْكِبَار، فَكَمَا أَن على الْأَبَوَيْنِ منع الْكتب الضارة عَن أَوْلَادهم، فَكَذَلِك يتوجب على الدولة أَن تمنع المنشورات والكتب من أَن تُؤدِّي إِلَى الإضرار بأفكار الشّعب" .
(انظر: مذكراتي السياسية، السلطان عبد الحميد الثاني،1891- 1908م، ، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الثانية 1979م.، ص 102.)
كتب سليمان البستاني نائب بيروت في مجلس المبعوثان عام 1908م قائلاً:
"باتوا لا يسمحون بنشر كتاب ما لم يعرض على مجلس التفتيش والمعاينة في نفس الأستانة ..... صفة هذا المجلس ومهمته : خليط من كل أصناف الناس، رفيعهم ووضيعهم، عالمهم وجاهلهم ".
ويتابع البستاني: "أما المواضيع المباح التأليف فيها فلم تكن تشمل المباحث الأخلاقية والاجتماعية والفلسفية، وأصبحت التآليف المفيدة من أشباه المعجزات ...
أخذوا يتعقبون آثار كل قديم فيه نفحة من نفحات الحرية فهجم الرقباء على المكاتب هجوم الشرطة على اللصوص..
كانت المنازل تفاجأ على غرة وتُفتح خزائن الكتب .. حتى ساد الرعب بين طلاب الكتب، فكانوا يتلفون بأيديهم تلك النفائس وكانت النيران تلتهم الكتب التهاماً ".
(انظر:عبرة وذكرى أو الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده، سليمان البستاني، مطبعة الأخبار 1 اكتوبر 1908م. ص 45.)
قال الكواكبي في مقابلة معه نشرتها جريدة "القاهرة" عام 1902م :
"علمت أن الحكومة تخاف من القلم خوفها من النار، ولا تعطي امتيازاً لجريدة لمن تعتقد أنه على بينة من أمره، ووتيرة من عمله،... ".
(انظر: جريدة القاهرة ، العدد الأول، تا 3 ابريل 1902م.)
روى د.أرنست أ.رامزور في كتابه "تركيا الفتاة وثورة 1908" القصة الطريفة التالية التي تشرح سطوة الرقابة على الفكر وعلى ما تنشره الصحف حينها،
فقد توجه صحفي فرنسي إلى رفعت بك مدير الرقابة بعدما كانت مقالاته كلها تمزق ولا يُسمح بنشرها، طالباُ أن يعرف ما هو المسموح نشره؟، فأجابه مدير الرقابة:
"تستطيع أن تكتب عن كل شيء عدا عن:
أصحاب التيجان والحكومات الأجنبية، وعن الفوضوية والاشتراكية، وعن الثورة والاضطرابات، وعن الحرية وحقوق الشعب، وعن السياسة الخارجية والداخلية كذلك، وعن الدين والحريم والكنائس والمساجد وجميع الأنبياء وعن الإلحاد، وعن التفكير الحر، وعن السلطة والوطن والقومية والعالمية والجمهورية والدستور، وعن المؤامرات والإصلاحات، وجميع المواضيع المتصلة بهذه الشؤون كلها من المحرمات، أما في ما عدا ذلك فيمكنك أن تكتب بما تشاء ... فتستطيع أن تتكلم عن المطر والطقس والكلاب في الشوارع وعن السلطة على ألا تشير للفساد،
و يمكنك أن تتكلم عن صاحب الجلالة السلطان متغنياً في مدحه كما تشاء" .
(انظر: تركية الفتاة وثورة 1908، د.أرنست أ.رامزور، ترجمة د.صالح أحمد علي، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت، طبعة عام 1960، ص 125.)
كتب الشيخ راغب الطباخ في كتابه "إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء" الصادر عام 1923م عندما ترجم لحسني بك باقي زاده المتوفى سنة 1325هجرية/1907م أن:
"حسني بك له كتاب "منهاج الأرب في تاريخ العرب" يبحث عن عوائد العرب وحالتهم وعيشتهم، غير أن السلطان عبد الحميد كان لا يسمح في زمنه بطبع أمثال هذا الكتاب لما فيه من نشر آثار العرب وفضائلهم خصوصاً إذا كان من قبل موظف في حكومته".
كما وضح الدكتور شبلي شميل في كتابه المعاصر للسلطان ذلك الأمر فقال:
"الجرائد العثمانية السياسية تقرأ فيها أخبار السند والهند والعالم الحقيقي والوهمي، ولا تقرأ فيها شيئاً عن أحوال المملكة، إلا ما به إطراء كاذب على الحالة الحاضرة، فتصور لك البلاد في نعيم ما بعده نعيم، وهي لسوء البخت الجرائد الحائزة لرضا الحكومة، لا تفيد السلطان علماً بأحوال الأمة، ولا تضع حداً لعماله عن التمادي في غيهم، بل ربما اتخذوها ذريعة لستر مساوئهم والتوغل في الاستبداد والظلم، وأبواقاً للتبويق بمدحهم" .
(انظر: شكوى وآمال مرفوعة إلى جلالة السلطان عبد الحميد خان، الدكتور شبلي شميل، القاهرة 1896م. ص 20.)
جميع الحقوق محفوظة لـدار الوثائق الرقمية التاريخية © 2024 https://dig-doc.org/ |