أراء المؤرخين بشخصية السلطان عبد الحميد الثاني .المحامي علاء السيد

لإيفاء دراسة شخصية عبد الحميد حقها، يجب أن نعي تماماً أن هذه الشخصية تطورت وتعقدت خلال ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً من الحكم، فعبد الحميد الذي تولى الحكم وهو في الرابعة والثلاثين من عمره شاباً حيوياً، يختلف حتماً عن عبد الحميد الذي تم خلعه بعدما تجاوز السبعين من عمره. 

سأستعرض ما كتبت المصادر الأصلية المتعددة الصادرة في الفترة القريبة من عهده عن شخصيته، من كتب وجرائد وغيرها من مصادر ومراجع،من خلال المصادر والمراجع يمكن تكوين صورة متكاملة قدر الإمكان عن هذه الشخصية المثيرة للجدل.

أورد في السطور التالية رأي البروفسور أرمينوس فامبيري  الذي كان مدرساً للغة الفرنسية لابنة السلطان عبد المجيد حوالى عام 1860م 

وحضر بعض تلك الدروس أخوها الفتى حميد أفندي الذي كان في السادسة عشرة من العمر حينها (المقصود هو السلطان عبد الحميد). 

عندما اشتُهر فامبري في أوروبا باعتباره مستشرقاً ورحالة استدعاه السلطان عبد الحميد وقربه منه، وكان أحد الأوربيين القلائل الذين سُمح لهم دوماً بمقابلة السلطان بدون حضور ترجمان . 

كان دور فامبري نشر المقالات المدافعة عن صورة عبد الحميد كحاكم مستبد طاغية يحكم سلطنته بيد من حديد 
هذه الصورة المنتشرة في الصحف الأوروبية، 

في بداية علاقتهما عام 1890م نشر فامبري مقالة مطولة تُرجمت ونُشرت في جريدة المقطم وفي مجلة المقتطف وصف فيها السلطان مادحاً إياه فقال فيها عبارات مثل: 

"ورث عن جده السلطان محمود الغيرة والسعي والهمة 
وعن أبيه السلطان عبد المجيد دماثة الأخلاق ورقة القلب، 

امتاز بحب الشغل، إرادته تلين الحديد، 

سمو الإدراك وقوة الحكم فيه وشدة الذكاء والنجابة واعتداله وحكمه هما اللذان حفظا أوروبا من الحرب العامة، 
أما صفاته الذاتية فهو يغلب أعداؤه بلطفه وكرم أخلاقه، 

ويلاطف السيدات الأوروبيات بغاية الإنس والاحتشام، يتجنب الحديث عن نفسه لما يعلمه أن الناس أصبحت تنتقد التبجيل والتفخيم في بلاد المشرق، 

لا يترك السلطان واسطة لملاطفة ضيوفه فإذا كانوا من الأوربيين جلس بين سيدتين على جاري عادتهم" .
لكننا نجد أن فامبري قد عاد عن رأيه هذا بعدما خرج من الأستانة فوصفه قائلاً : 

"لم أصادف قط كالسلطان عبد الحميد رجلاً، لصفات خلقه البارزة مثل هذا التناقض والتطرف والاختلال، فالخير والشر، والسخاء والدناءة، والجبن والشجاعة، والدهاء والجهل، والاعتدال والتطرف، عدد كبير من الصفات المتناقضة تجدها في أعماله وأقواله، وإذا كانت لأخلاقه صفة سائدة فهي جبنه وتقلبه المستمر وخوفه من الخطأ في السير بقراراته، هذه الصفات تركت لطخة ثابتة طبعت كافة أعماله، هذه الصفات السيئة هي الأثر القاتل لتربية الحريم".

وصف المؤرخ التركي "يلماز أوزتونا"  السلطان عبد الحميد في كتابه "تاريخ الدولة العثمانية" قائلاً: 
"كان عبد الحميد أفندي ذا صحة جيدة، شرب الخمر فترة من الزمن في شبابه ثم تركه، لم يتوان أبداً عن أداء واجباته الدينية، كان مقتصداً في إنفاقه ولكنه لم يكن شحيحاً، حذراً، كتوماً، قليل الكلام كثير الإصغاء، ولوعاً بتمحيص أخلاق البشر والنفوذ إلى نقاط ضعفهم، من الصعب غشه، كان أبوه يصفه "الشكاك الصامت"، كان شكاكاً لدرجة مفرطة، محافظاً على التقاليد الشرقية، الإسلامية والتركية، 

يحبذ الاطلاع على علوم الغرب دون تقليدهم بمعيشتهم، كان مولعاً بالسياسة الخارجية القائمة على الاستفادة من التوازنات الدولية، يهتم بمعرفة كل ما يجري بالعالم ويتابع الصحافة العالمية يومياً"

انظر: تاريخ الدولة العثمانية، يلماز أوزتونا، ج 2، ص99.

أما كردعلي الذي عاصر عهد السلطان فقد كتب في مقالة نشرها في أحد أعداد عام 1909م من مجلته الشهيرة "المقتبس" قائلاً: 

"تدبرنا تراجم ألوف من الملوك والعظماء ولم نشهد لعبد الحميد مثيلاً في أخلاقه وأعماله، رأيناه يشبه الناصر لدين الله العباسي بتجسسه وحرصه، والحاكم بأمر الله الفاطمي بهذيانه وتلونه، والحجاج بن يوسف الثقفي ببطشه وسفكه، والسلطان ابراهيم العثماني بسفاهته وإسرافه، ومن جمع في شخصه هذه الصفات مجسمة كان جديراً بأن يدعى طاغية الملوك والسلاطين"مما جاء في كتاب "الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" لمؤلفه المحامي علاء السيد

المراجع والمصادر:

-انظر: السلطان الأحمر عبد الحميد، جون هاسلب، تعريب فيليب عطا الله، دار الروائع الجديدة، ص 59.
- انظر: مجلة المقتطف، الجزء 11 من السنة 14، تا 1 آب 1890م، ص 721 وما بعدها.
- انظر: دراسات في تاريخ العرب في العهد العثماني – رؤية جديدة في ضوء الوثائق والمصادر العثمانية، أ.د فاضل بيات، دار المدار الإسلامي، الطبعة الأولى، ص 458.
انظر: مقال بعنوان "السلطان عبد الحميد المخلوع" لصاحب المقتبس محمد كرد علي، الجزء الثالث من المجلد الرابع ص 141 من مجلة المقتبس، عدد ربيع الأول 1327 هجري /أيار 1909م

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة