يقول مؤلف الكتاب عن كتابه شارحا ما فيه :
كتبت عن قبائل بادية حلب وحماة ، واخترتُ موقعاً جغرافيّاً يتوسّط سورية إذ كانت ملتقى هذه القبائل في مواسم النجعة ، وتحديداً في فصل الربيع ،وتمتدّ هذه البادية من جبل الأحص وشبيث شمالاً حتّى البلعاس جنوباً ، ومن السخنة شرقاً إلى المعمورة غرباً .
وممّا دفعني إلى دراسة هذا الموقع الجغرافي هو أنّني لم أعثر على كتاب أو مؤلَّفٍ تناول سكّان هذه المنطقة إلا ما ورد في كتاب " عشائر الشام " من صفحات قليلة ، وكتـاب آخر هو كتاب " البدو " للمستشرق الألماني أوبنهايم .
أصابني الحزن الوطني ، ممّا جعلني أتساءل :
أيُعقلُ أن نفتقد الباحث الوطني على مدار سبعين سنة ؟ ، لمَ نترك للمستشرقين والأنتروبولوجيين الحداثيين دراسة تاريخنا ، ولدينا الخبرة الكافية عن تاريخ بلادنا ، ما دمنا نؤمن بأنّ أهل مكّة أدرى بشعابها ؟
وفي صدد البحث عن هذا الحيّز الجغرافي تحدّثتُ عن جغرافيّة المكان ، وعن السكّان الذين استوطنوا هذا الحيّز الجغرافي .
ولم تقتصر دراستي عن السكّان الحاليين فحسب ، إنّما تحدّثتُ عن الاستيطان في كل مراحله التاريخيّة ، وبعيداً عن التعصّب القومي لم يشهد التاريخ في كل أدواره شعباً استوطن هذه البقعة سوى الشعب العربي .
في الباب الأوّل من أبواب هذا الكتاب حاولتُ دراسة طبيعة البدو بين الماضي والحاضر ، وتوسّعتُ في البحث والتحليل لتقديم صورة حقيقيّة عن هؤلاء السكّان مبتدئاً بمقدّمة تاريخيّة تحدّثتُ من خلالها عن أحوالهم في العصور الإسلاميّة وأثر العصبيّة القبليّة .
ثمّ انتقلتُ إلى البحث في نسب هذه القبائل ، ولقد خلط كثير من النسّابة والمؤرّخين بين الأنساب، ومنهم العلاّمة أحمد وصفي زكريّا والأستاذ محمّد عبد الحميد الحمد .
والواقع أنّ القبائل التي درستُ تاريخها هي عربيّة أصيلة ، ولا يعتدّ بكلام من يحاول المساس بعروبة هؤلاء الناس .
وقد عرضتُ التقسيمات العشائريّة مبتدئاً بالعشيرة ثمّ تفرّعاتها من أفخاذ وغيرها ووضعتُ شجرات أنساب لبعض القبائل .
وفي حديثي عن العصبيّة القبليّة بيّنتُ أهميّة العصبيّة كضرورة لهؤلاء السكّان الذين يعيشون في البوادي والقفار ، وهي رمز الوحدة والقوّة وتدخلُ في تكوين القيم الأصيلة للبدوي ، وقد تغيّرت العصبيّة القبليّة في كل المراحل التاريخيّة .
ثمّ تكلّمتُ عن المشيخة وبيّنتُ شروطها ، وهي وراثيّة إذا ما توافرت شروطها في بيـت المشيخة ، وقد تستمرّ في بيتٍ مئات السنين وربّما تنتقل إلى بيتٍ آخر لأسباب شتّى ، وفي حديثي عن المرأة بين الماضي والحاضر بيّنتُ دورها الهام الذي تقوم به .
وفي الباب الثاني تحدّثتُ عن منطقة المطخ وهي مسقط رأسي ، وتعتبر قنسرين الواقعة على طرف مستنقع المطخ قلعة العروبة في العصر الأموي ، سكنها العرب منذ فجر التاريخ ودارت على ثراها مواقع عديدة أشهرها ( يوم حليمة بين العرب الغساسنة والمناذرة ) ، وحروب العرب الأمويين ومن بعدهم العباسيين ضدّ البيزنطيين ، وفي العصر الحديث استوطن هذه المنطقة عشيرة الأبو شعبان ، وهم جزء من أبناء عمومتهم الساكنين في منطقة وادي الفرات ، هاجروا إلى هذه المنطقة في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ، ويشكّلون الأغلبيّة الكبيرة ، وسكن معهم العقيدات والمشاهدة ، وبعض العشائر الأخرى .
وتحدّثتُ عن الأبي شعبان وتفرّعاتهم ومشايخهم وبعض مثقّفيهم ، وبحثتُ في عشائر الولْدة التي تسكن مناطق سدّ الفرات لارتباطها بعشيرة الولْدة في مناطق جبل سمعان وجبل الأحص ومنطقة معرّة النعمان ، ولم أتحدّث عن عشيرة العفادلة لأنّ الأستاذ محمد عبد الحميد الحمد في كتابه " عشائر الرقّة والجزيرة " تحدّث عنها بشكلٍ مفصّل .
وفي الباب الثالث تـحدّثتُ عن لواء الصحراء الذي يشمل منطقة واسعة من بادية حلب وحماة ، وتحدّثتُ بإيجازٍ عن قراه العامرة واعتمدت بشكل مباشر على المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري لدراسة هذا اللواء ، وتوقّفتُ عند معالمه الأثريّة كالأندرين وقصر ابن وردان ومعبد إسرية والتي تعود في غالبها إلى فترة الغساسنة .
وأمّا العشائر التي تجوب هذه المناطق والتي استقرّت مؤخّراً فهي قبائل الموالي والحديديين وعنـزة والتركي والبشاكم والخراشين وغيرها من العشائر الأخرى .
وتحدّثتُ بشكلٍ مطوّل عن قبيلة الموالي منذ تأسيسها والأدوار التاريخيّة التي مرّت بها وإلى يومنا ، وتوقّفتُ عند أسرة أمراء الموالي الذين يعتبرون من أعرق الأسر التاريخيّة في الشرق العربي ، ثمّ فصّلتُ العشائر التي تشكّلت منها قبيلة الموالي ورددتُ كل عشيرةٍ إلى منبتها في حال توفّر المصادر والمراجع المختصّة ، ثمّ تحدّثتُ في هذا الفصل عن القبائل التي تسكن في منطقة سلميّة ومنهم التركي والخراشين والعقيدات .
وفي الباب الرابع تحدّثتُ عن قبيلة الحديديين منذ تأسيسها وتوقّفتُ عند أسرة شيوخها آل الإبراهيم ، وهم من الأسر العريقة ، لعبوا دوراً مهمّاً في التاريخ واستطاعوا تكوين قبيلة قويّة الشكيمة ، ثمّ درستُ عشائر الحديديين الكومة والشماليين والقبليين ، وفي حديثي عن قبائل لواء الصحراء لا بدّ من دراسة قبيلة عنـزة ومنها السْبعة والفدعان والعمور .
وفي الباب الخامس بحثتُ في تاريخ جبل الأحص من خلال الجغرافية والتاريخ والحاضر إذ شهدت هذه المنطقة ازدهاراً حضاريّاً واسعاً في فترة السيادة الغسانيّة ، وعلى ثراها دارت أقوى حروب العرب وهي حرب البسوس .
واستوطن منطقة جبل الأحص عشائر مختلفة المنابت وهم السكن والقوادرة وجيسٌ وصعب والصريصات ، وفرعٌ من قبيلة النعيم ، وعلى طرفه الغربي الجنوبي سكن اللهيب ، والزويقات والأبرز ، وبعض العشائر الأخرى .
إنّ الظاهرة التي تستدعي الانتباه اتّجاه هذه العشائر اتّجاهاً كليّاً نحو الاستقرار والعمل في الزراعة والتجارة وبعض الصناعات الخفيفة ، وإنّ عمليّة استقرار هؤلاء السكّان بدأت منذ الربع الأوّل من القرن التاسع عشر واستمرّت حتّى العام 1950 م وأخضعت الحكومات هذه القبائل إلى القوانين المعمول بها في الجمهوريّة العربيّة السوريّة بعد إلقاء قانون العشائر بموجب مرسوم تشريعي رقمه /124/ والمؤرّخ في 21 / 5 / 1953 م ، وترتّب على إلقاء هذا القانون عدّة أمور منها :
وبالنتيجة أريد أن أُبدي عدّة ملاحظات حول واقع هذه العشائر التي درسْتُها ، إذ أنّها تعاني من مشاكل كبيرة ، منها :
مشكلة تلوّث البيئة في منطقة المطخ ، نتيجة الجريان العشوائي لنهر قويق ، وإنشاء مصانع ومعامل لا شكّ أنّها ستؤدّي إلى كوارث بيئيّة في المستقبل القريب إذا لم تتنبّه الجهات المختصّة لمعالجتها .
لطلب ملف رقمي لكتاب قبائل بادية حلب وحماة
جميع الحقوق محفوظة لـدار الوثائق الرقمية التاريخية © 2025 https://dig-doc.org/ |