يعتبر المعلم الماروني بطرس البستاني أحد واضعي أسس اللغة العربية "الفصحى" التي انتشر التداول بها بين عامة الناس كلغة موازية للغة المحكية مع مطلع القرن التاسع عشر بعدما انتشرت الكتب والمجلات المطبوعة بين عامة الناس.
كانت الفصحى حكرا على رجال الدين المسلمين وعلى تلاميذهم وعلى بعض رجال الدين المسيحيين بينما كانت عامة الناس في بلاد الشام تتكلم اللغة "المحكية" وهي خليط من العربية والسوريانية وفيها كلمات فرنسية وإيطالية وإنكليزية وتركية ....الخ.
وكانت العامة تكتب بهذه اللغة المحكية التي تم لاحقا إطلاق اسم اللغة "العامية" عليها، عندما تم إطلاق اسم العربية "الفصحى" على لغة رجال الدين المسلمين.
فنشاهد معظم المخطوطات المكتوبة من العامة في تلك الفترة كيوميات نعوم البخاش ويوميات حنا دياب ويوميات البديري الحلاق وغيرها ..قد تمت كتابتها باللغة المحكية. ولم تكن الكتابة بالفصحى واردة سوى لدى رجال الدين.
بدأ المطران الحلبي الماروني جرمانوس فرحات في مطلع القرن الثامن عشر وضع الأسس الجديدة للغة العربية " الفصحى" فكتب في العروض والأعراب والنحو ووضع معجم "الإعـراب عـن لغـة الإعـراب".
كما قام الخوري المارونيّ بطرس التولاوي البتروني بجذب الحلبي عبد الله الزاخر وشجعه مطلع القرن الثامن عشر على صنع أول مطبعة للطباعة بالاحرف العربية في المنطقة بعدما كانت الكتب تنسخ يدويا مما يجعل عدد المطلعين عليها محدودا.
كانت الطباعة هي الوسيلة الوحيدة لنشر الثقافة لدى العامة باللغة العربية " الفصحى" التي بدأ إعادة صياغة أصولها من جديد على يد جرمانوس فرحات ومن تلاه كناصيف اليازجي وبطرس البستاني.
تمت ترجمة الكتاب المقدس للغة العربية للمرة الأولى سنة 1865م وتمت طباعته بالأحرف العربية وقام بهذه الترجمة الشيخ ناصيف اليازجي وبطرس البستاني وآخرون.
في عام 1840 م بدأ تواصل بطرس البستاني مع الإنكليز في بيروت ثم تعرّفَ على الأميركي الدكتور ( كرنيليوس فانديك ) الذي كان يعمل مع الإرساليات الأميركية في بيروت في التبشير بالمذهب البروتستانتي، الذي أسّس مدرسة سنة 1846 درّس فيها بطرس مدة سنتين، ألّفَ في خلالها باكورة أعماله وهوكتاب: "بلوغ الإرَب في نحو العرب" والذي لم يطبع.
خلال ذلك قام بتأسيس جمعية الآداب والعلوم عام 1847م مع صديقه الشيخ اللبناني ناصيف اليازجي الذي تتلمذ على يد راهب ماروني وحفظ القرآن الكريم والشعر الجاهلي وقرض الشعر.
في عام 1859م ألقى البستاني محاضرة بعنوان "آداب العرب" ونشرت البعثة الأمريكية في بيروت المحاضرة في كتيب خاص، أثار ضجة كبيرة ولاقى صدى واسعاً بين الناس، تطرق البستاني في محاضرته الى قضايا لغوية هامة كتطوير علم الصرف والنحو، وتقريب اللهجة العامية من اللغة الفصحى، فقال:
"إذا لم تقترب الفصحى من اللغة الدارجة، فان هذا سيؤدي الى نتائج لا تحمد عقباها"، وقال: " وهكذا تولّدت، عند العرب، لغة دارجة بينهم تختلف كثيراً عن لغة الكتب. وهذه اللغة الدارجة تتهدّد دائماً اللغة الأصلية. وإذا طال الحال عليها هكذا تُميت كثيراً من ألفاظها فوق ما أماتته، ولكن ازدياد عدد المدارس والمكاتب والمطابع في هذه الأيام، وأملنا بالزيادة على زيادتها في ما يأتي يجعلان لنا شيئاً من الطمأنينة من هذا القبيل.".
في عام 1860 م عمل بطرس البستاني مترجما في القنصلية الأمريكية ببيروت وأسس جريدة " نفير سورية".
قام الشيخ ناصيف اليازجي بالتدريس في المدرسة الوطنية التي افتتحها بطرس البستاني عام 1863م ، كما عمل معه على ترجمة الكتاب المقدس للغة العربية بدعوة من المرسليين الانجيليين البروستانتيين الامريكيين.
وقام الشيخ ناصيف اليازجي بتدريس اللغة العربية "الفصحى" في معهد المرسليين الأمريكيين الذي أضحى لاحقاً الجامعة الامريكية ببيروت.
بدأ بطرس البستاني مع الشيخ ناصيف اليازجي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عام 1870م بوضع معجم "محيط المحيط" الذي وضع مرجعيات المعاجم العربية اللاحقة.
ثم بدأ بطرس البستاني بإصدار سلسلة من المجلات والصحف كال" الجنان والجنة والجنينة" لتنشر الفكر بواسطة اللغة العربية "الفصحى" لدى عامة الناس ممن بدأوا بإفراز طبقة المثقفين الذين يتكلمون هذه اللغة ويأنفون من اللغة "المحكية" التي وصمت بأنها لغة العوام وسميت باللغة" العامية".
لطلب ملف رقمي للمجلد الثاني عشر من "مجلة الجنان" عام 1881م
جميع الحقوق محفوظة لـدار الوثائق الرقمية التاريخية © 2024 https://dig-doc.org/ |