جذور وأسباب الأزمة الأوكرانية الحالية وقصة خط الغاز "السيل الشمالي 2" - 9 شباط 2022م

في واجهة الأحداث العالمية هذه الأيام لقاء الرئيس الأمريكي بايدن مع المستشار الألماني الجديد  أولاف شولتز يوم أول البارحة الاثنين في واشنطن لبحث الازمة الاوكرانية ولبحث أحد أهم اسباب الخلاف الأمريكي - الألماني وهو خط الغاز الروسي- الألماني "السيل الشمالي الثاني Nord Stream 2 "المهدد  أميركيا بالإقفال في حال غزا الروس اوكرانيا والذي انتهت أعمال تمديده ولكن لم يبدأ بالعمل به بعد.

لعنة طرق أنابيب الغاز، والصراع الأمريكي الروسي عليها، ضربت وستضرب جميع الدول التي تعبرها هذه الطرق.

جاء في كتاب "طريق الحرير " لمؤلفه المحامي علاء السيد:

 أطلقت روسيا في عام 2017م مشروعاً جديداً لمد أنابيب الغاز إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق شمالاً، وأطلقت عليه اسم مشروع "السيل الشمالي 2" على أن يمر هذا الخط تحت مياه بحر البلطيق الإقليمية لدول فنلندة والسويد والدانمرك، ليصل السواحل الألمانية، موازياً للخط السابق "السيل الشمالي 1"، 

انبرت هذه المرة الدانمرك لتعارض مروره عبر مياهها الإقليمية بحجة الأخطار البيئية لأنابيب الغاز على البحر، 
فما كان من الشركات الروسية إلا أن أوجدت مساراً بحرياً جديداً يتجاوز المياه الإقليمية الدانماركية، وانطلق المشروع في عام 2018م. 

قام مجلس النواب الأميركي في حزيران 2018م بفرض عقوبات جديدة على روسيا. 

كان الهدف هو منع الشركات الأوروبية من الاشتراك بعمليات مد خط الأنابيب بشكل غير مباشر، ولكن لم يعط هذا القرار أي جدوى، 

وصرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشهر ذاته، في مؤتمر صحفي قبيل لقائه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي في بروكسل قائلاً:

" أنا أعتقد أنه أمر محزن أن تقوم ألمانيا بصفقة ضخمة للنفط والغاز مع روسيا، حيث تدفع بلايين الدولارات سنوياً لها، نحن نحمي ألمانيا ونحمي فرنسا ونحمي كل هذه البلدان، ثم يذهب عدد كبير منها لصفقة أنابيب مع روسيا، حيث يدفعون بلايين الدولارات في الخزائن الروسية، وأنا أشكو من هذا الأمر منذ علمته، وما كان ينبغي أبداً أن يحدث، ولكن ألمانيا تتحكم فيها روسيا تماماً، لأنها ستحصل على ما بين 60% إلى 70% من الطاقة من روسيا وخط أنابيب جديد". 

لزيادة الضغط على دول الاتحاد الأوروبي، ما كان من الولايات المتحدة إلا أن أعلنت في نهاية شهر أيار 2018 أنها فرضت رسوماً جمركية عالية على الفولاذ والألمنيوم المستوردين من الاتحاد الأوروبي للاسواق الأمريكية 
وعدم تمديد الإعفاء الجمركي الذي كانت تمنحه الولايات المتحدة لدول الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص، ما يشكل ضربة قوية للاقتصاد الأوروبي، 

وكان الرد الألماني قد صدر في مطلع شهر تشرين الأول من عام 2018م أن مشروع السيل الشمالي 2 مستمر وأنها بدأت بمد خطوط الأنابيب في أراضيها، 

وفي كانون الأول من عام 2019م عاد مجلس النواب الأمريكي للتصويت بالموافقة بأغلبية الأصوات على قانون الدفاع الوطني لعام 2020م الذي يتضمن فرض العقوبات على الشركات التي تتعاون مع روسيا لتمديد الأنابيب بسبب مشروع "السيل الشمالي2" 

وأيد الكونغرس الأمريكي فرض العقوبات، ليبقى أن يوقع الرئيس الأمريكي على القانون لبدء سريان العقوبات، ورد الروس بأنهم ماضين في المشروعين قدماً. 

يمكن تفسير الخيار الأوروبي اعتماد الغاز الروسي بدلا من الغاز الأمريكي ، بانخفاض تكلفته الكبير عن الغاز المسيل الأمريكي الذي يتم نقله لأوروبا بواسطة ناقلات الغاز البحرية. 

أما قصة المشروع الروسي السابق وهو مشروع "السيل الشمالي 1" فهي أن روسيا قد قررت الرد على فكرة مشروع خط الغاز القطري-التركي الذي كان يفترض أن يمر من سوريا والذي يعيد إحياء مشروع خط "نابكو " المدعوم أمريكياً والمعادي للاستراتيجية الروسية لتصدير الغاز الروسي،

فأطلقت روسيا مشروع "السيل الشمالي Nord Stream"، وهو مشروع لمد خط أنابيب الغاز من ميناء "فيبورغ" الروسي على بحر البلطيق إلى مدينة "غرايفسفالد" في ألمانيا مروراً بالمياه الإقليمية الفنلندية والسويدية والدانماركية، 

وانطلق المشروع عام 2010م، ووضع بالخدمة عام 2012م.

وفي ذات سياق الصراع الروسي الأمريكي على خطوط الغاز كانت روسيا قد وقعت في عام 2016م مع تركيا على اتفاق مشروع "السيل التركي"، لنقل الغاز الروسي إلى القارة الأوروبية عبر الأراضي التركية. وشهدت تلك الفترة تقاربا روسيا تركيا انعكس على انهاء تواجد المسلحين في مدينة حلب بالذات. 

أما أهم جذور الأزمة الروسية - الأوكرانية الحالية فبسبب  خط الغاز الروسي الذي يغذي أوكرانيا ويتابع السير ليغذي أوروبا الغربية، 

هذا الخط الذي يضخ ثمانين بالمئة من مجمل ما تضخه روسيا لأوروبا، والذي يشكل ما نسبته حوالي خمس وعشرين بالمئة من حاجة أوروبا من الغاز الطبيعي.

والذي تسعى الولايات المتحدة عبر علاقاتها المميزة مع أوكرانيا على الحد من عمله ولا تمانع روسيا في غزو أوكرانيا للحفاظ عليه.

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة