المملكة السورية

كان لسوريا ملك في الخامسة و الثلاثين من العمر ، هو الملك فيصل بن الحسين ، الذي زار أوربا و أمضى فترة فيها ، و عندما استقبله ملك بريطانيا جورج الخامس ، آمن فيصل بوجوب ان تكون سوريا مملكة مشابهة للمملكة البريطانية، الملك فيها يملك و لا يحكم ، و تسمى هذه الحالة ( الملكية الدستورية ) .

للمملكة مجلس لوردات ( شيوخ ) يعين من قبل الملك ، و مجلس عمومي ( نواب ) يمثل كافة مواطني المملكة ، و يضع القوانين العامة .

و المملكة مؤلفة من مقاطعات ، لكل مقاطعة حاكم يعين من قبل الملك و يكون عضوا في مجلس الشيوخ ، و لكل مقاطعة مجلس محلي منتخب يضع القوانين الخاصة بالمقاطعة .

أٌُعلن فيصل ملكا على سوريا ، في الثامن من آذار عام 1920 ، كما جاء في مقالنا السابق ( الاحتلال البريطاني لسوريا ) ، بعدما انسحبت القوات البريطانية من الأراضي السورية .

عقد المؤتمر السوري في ربيع عام 1920 اجتماعه، و هو أول برلمان سوري منتخب ( يسمى أيضا جمعية تأسيسية ) ، و قرر إعلان استقلال سوريا بحدودها الطبيعية ، و إعلان الأمير فيصل ملكا عليها ، وعلى الرغم من الشكوك الكبيرة التي أحاطت بعمل فيصل واتصالاته الدبلوماسية وتوقيعاته السرية ، فإن رجال العمل العربي رأوا فيه وعداً فاتناً بالاستقلال العربي.

كانت سوريا الطبيعية التي تضم سوريا و لبنان و فلسطين و الأردن تسمى بلاد الشام ، و كانت مقسمة إداريا زمن العثمانيين ، تقسيما مختلفا تماما عن التقسيم الحالي ، فقد كانت ولاية حلب : تضم حلب و إنطاكية و عنتاب و كلس و أورفة و ميناؤها الاسكندرونة .

و ولاية الشام : تضم دمشق وحماه و حمص و تدمر و درعا و تضم أيضا بعلبك و عمان عاصمة الأردن الحالية و تمتد جنوبا حتى العقبة .

و ولاية بيروت : تضم اللاذقية و طرطوس و طرابلس و بيروت و تمتد جنوبا حتى حيفا .

و كانت هناك منطقتين ذات وضع خاص تحملان اسم سنجق ، و هما سنجق القدس و يضم القدس و يافا و غزة ، و سنجق جبل لبنان و مركزه بعبدا .

و كان الحاكم العام العسكري لسوريا هو الدمشقي علي رضا الركابي و قد كان ضابطا سابقا في الجيش العثماني ، ثم خلفه الزعيم - و هو الاسم الجديد للرتبة - مصطفى نعمة بك العباسي و هو من حلب و كان متزوجا من سيدة تركية و هو ضابط سابق في الجيش العثماني ، و بقي حاكما عاما عسكريا ، حتى إلغاء هذا المنصب بإعلان الاستقلال و قيام الملكية .

بعد قرار المؤتمر السوري بإعلان الاستقلال و قيام الملكية ، قام وفد يمثل أعضاء المؤتمر السوري ، شارك فيه هاشم الاتاسي رئيس المؤتمر ، و عبد القادر الكيلاني مندوب حماة ، و تيدوري إنطاكي و سعد الله الجابري مندوبي حلب ، و فاتح مرعشي مندوب اعزاز ، و الشيخ عبد القادر الخطيب و عبد الرحمن اليوسف مندوبي الشام ، و غيرهم ......بإبلاغ الأمير فيصل قرار المؤتمر .

و توجه الأمير فيصل مع حاشيته إلى مقر المؤتمر ، و أُعلن في الساعة الثالثة بعد الظهر في الثامن من آذار عام 1920 ،استقلال سورية بحدودها الطبيعية وإعلانها مملكة ، و تنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً عليها ، ورُفع العلم السوري بعد ان تقرر أن يكون العلم العربي في الحجاز علماً للبلاد ، مع إضافة نجمة بيضاء على المثلث الأحمر ، لأول مرة في التاريخ المعاصر في حلم تحقق لكل وطني عاش تلك الفترة ، على شرفة بناء البلدية في ساحة المرجة ، و على مشهد من جموع الجماهير السورية المتحمسة ، و أطلقت المدافع مائة طلقة ابتهاجا ، و تجمعت الجماهير في شارع النصر و طريق الصالحية و توجهت سيرا على الاقدام ، الى ساحة الشهداء ، و خصصت بلدية العاصمة بناية مسرح زهرة دمشق للمتفرجات من السيدات و دامت الاحتفالات ثلاثة أيام.

و تشكل بلاط ملكي لفيصل ، ترأسه الحلبي إحسان الجابري ، و الذي كان يعمل سابقا رئيس أمناء ( ياور ) في قصر السلطان في اسطنبول ، و هو الشقيق الأكبر لسعد الله الجابري و قد طبق الجابري المراسم السلطانية التركية العثمانية على الملك العربي.

و أعلن الملك العفو العام ، و تشكلت الوزارة الأولى برئاسة رضا باشا الركابي في شهر آذار عام 1920 ، و تألفت من سبعة وزراء ، و كان وزراؤها : من دمشق فارس الخوري نقيب محاميي دمشق وزيرا للمالية ، و من حلب ساطع الحصري لوزارة المعارف و جلال زهدي القاضي الحلبي لوزارة العدل ، و من اللاذقية يوسف الحكيم و هو والد المحامي الأستاذ الكبير جاك الحكيم وزيرا للتجارة و الزراعة و النافعة ..و غيرهم ، و تم تعيين علاء الدين الدروبي رئيسا لمجلس الشورى .

و طلب المؤتمر ، في أول اختبار لمعرفة حقيقة من سيحكم سورية في الأيام القادمة رجال المؤتمر أم الملك ، ان تقدم الوزارة بيانها أمامه حتى يمنحها الثقة ، فلم يقبل فيصل بأن تكون الحكومة مسؤولة أمام المؤتمر السوري ، و قال ان مهمة المؤتمر تنتهي بتتويجه ملكا .

و تصدى لفيصل الشيخ رشيد رضا ( من طرابلس ) و هو الكاتب و الأديب الكبير صاحب مجلة المنار تلميذ الشيخ محمد عبده ، قائلا : ان المؤتمر هو الذي أوجدك ، فقد كنت قائدا من قواد الحلفاء فجعلك المؤتمر ملكا ، و رضخ فيصل و صارت الوزارة مسؤولة عن الحكم و تحاسب أمام المؤتمر السوري ، و لم تعد علاقتها المباشرة مع الملك .

أما البريطانيون و الفرنسيون فقد رفضوا الاعتراف بالمؤتمر السوري و بقراراته ، و بتنصيب فيصل ملكا على سوريا و بقيت مراسلاتهم للملك تعنون باسم الأمير فيصل و ليس الملك فيصل .

و بعد شهرين في أيار عام 1920 وصلت لسوريا أنباء مقررات مؤتمر سان ريمو ، و اتفاق البريطانيين مع الفرنسيين على وضع سوريا و لبنان تحت الانتداب الفرنسي ، و فلسطين و العراق تحت الانتداب البريطاني .

و ثار المواطنون السوريون ، و استقالت الحكومة و ترك هاشم الاتاسي رئاسة المؤتمر للشيخ رشيد رضا ، و شكل وزارة مهمتها الدفاع عن استقلال البلاد ، و عين الاتاسي وزيران جديدان في هذه الوزارة مقربان من الوطنيين و المؤتمر ، و هما وزير الحربية يوسف العظمة و د عبد الرحمن الشهبندر وزيرا للخارجية ، و بقي فارس الخوري وزيرا للمالية و ساطع الحصري وزيرا للمعارف ، و كان أغلب الوزراء ممن عرفوا بعدم موالاتهم للفرنسيين و بوطنيتهم الشديدة .

و من الأمور الطريفة التي قامت بها هذه الحكومة الناشئة ، إعلان جباية رسم الاستهلاك على باكيتات الدخان، و ذلك بإلصاق طابع مالي لا يمكن فتح الباكيت دون تمزيقه ، و ما زالت بعض الباكيتات الوطنية تحمل هذه اللصاقة التي تمثل الطابع حتى هذا التاريخ رغم بطلان استعماله ، و كذلك وضعت طابع مالي على أوراق اللعب ( الشدة او الاسكامبيل ) .

و قامت الحكومة بجهود جبارة و خلال بضعة أشهر فقط ، فقد أُعلن عن عزم الحكومة طرح الدينار السوري الذهبي ، و وزنه حوالي ستة غرامات و نصف ، و قسم الدينار لمائة غرش سوري ، و طرح فئة نصف دينار .

و كذلك عزمها على طرح الريال السوري الفضي و وزنه خمس و عشرون غراما فضة ، مع الاستمرار في تداول و اعتماد الليرة العثمانية ، و قبول الليرة الانكليزية و الجنيه المصري الذهبي اللذين دخلا مع القوات البريطانية إلى سوريا.

و أُعلن التجنيد الإجباري لكل من بلغ العشرين من العمر و لم يتجاوز الأربعين ، و لمدة خدمة تبلغ ستة أشهر ثم تقرر التمديد لسنة كاملة ، وتقرر انه يمكن لمن لا يرغب بالخدمة دفع بدل نقدي قدره خمسون دينار سوري ذهبي ، و استثني رجال الدين من جميع الطوائف من خدمة العلم ، و كان الشاب الوحيد لعائلته يخدم خدمات خفيفة في الجيش ، و تقرر إعطاء الجندي راتب شهري قدره نصف دينار ذهبي إضافة لطعامه و لباسه .

و أعلنت الحكومة انه يجوز للمجرم المحكوم بالحبس ، إبدال حبسه بعد دفع حقوق الناس ، بمبلغ يتراوح بين نصف الدينار الذهبي و الدينارين عن كل يوم ، و يعود التقدير للقاضي حسب حالة المحكوم .

و أحدثت محكمة تمييز ( تسمى حاليا محكمة النقض ) في دمشق ، كما أُحدث مجلس شورى الدولة، للبحث و إعطاء القرار في الأمور الإدارية للدولة .

و أحدثت الجامعة السورية في دمشق و سميت الجامعة العربية في بداية الأمر ، و كانت فيها كليتين فقط هما كلية الطب و كلية الحقوق و سميت في البداية مدرسة الحقوق ثم معهد الحقوق العربي بدمشق ، و دُرّس الطب باللغة العربية و للمرة الأولى ، و سوريا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تدرس الطب باللغة العربية حتى هذا التاريخ .

و تم تعريب أسماء الرتب العسكرية للجيش بالكامل ، و كذلك تعريب الاصطلاحات العسكرية ، بينما بقي ضباط الجيش بمصر يحملون رتبا بأسماء تركية إلى ما بعد ذلك الزمن بمدة طويلة .

و قررت الحكومة تعريب جميع المعاملات في الدولة و الدواوين و المدارس و كافة الكتب الرسمية بعد ان كانت تكتب باللغة التركية العثمانية ، و كان لوزير المعارف ساطع الحصري الدور الأكبر في تعريب التعليم .

و تقرر ان تكون المدرسة الظاهرية بدمشق داراً للكتب ، أي مكتبة عامة .

المراجع :

  • الإيضاحات السياسية ، غالب العياشي طبعة عام 1954
  • مقررات حكومة سوريا : يوسف صادر ،طبعة عام 1933
  • تاريخ سورية 1918-1920: الدكتور علي سلطان مدرس التاريخ الحديث في جامعة بروفانس بفرنسا ،طبعة عام 1987.
  • يوم ميسلون : ساطع الحصري.
بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة