حلب مدينة التنين ...والتنين من يحمي قلعتها

قد يبدو هذا العنوان غريبا بل غريب جدا .

فاسطورة التنين جاءت حسبما اعتدنا سماعه من الصين وشرق آسيا ..

ولكن من المفاجىء أن صورة التنين بل صورة أربعة تنانين نقشت على مدخل قلعة حلب الرئيسي منذ ما لايقل عن سبعمائة عام.

الباب الرئيسي للقلعة الذي أُطلق عليه مطلع القرن العشرين أي منذ مائة عام تقريباً فقط وهو زمن حديث نسبيا اسم باب " الحيات" في جمع لكلمة "حية" أو ثعبان لوجود نقش يبدو للوهلة الأولى لأربعة ثعابين أو "حيات" تتداخل فيما بينها أعلى الباب ولا يوجد مرجع واضح يحدد من أطلق هذا الاسم المغلوط والذي عم وانتشر.

واشتهر من يومها هذا الباب بهذا الاسم، بل اعتبر بعض الباحثين أن هذه الثعابين ترمز للحياة المديدة وانها رموز لحماية القلعة من الشرور.

لم ينتبه هؤلاء جميعا أن النقش هو لتنين وليس ل"حية " فالأفعى أو الثعبان لا اذنين لهما، وينفرد التنين فقط بذلك.

اسطورة التنين انتشرت في العالم بعد ربطها بمعركة القديس جرجس مع التنين الذي يلتهم الفتيات.

ومنهم من يعتبرها اسطورة شرقية سورية موغلة بالقدم، ومنها من يعتبرها قد جرت زمن الرومان بداية العهد المسيحي.

ولكن هذه الاسطورة غزت الغرب وكنائسه مع وصول الصليبيين للاراضي السورية في القرن الثاني عشر الميلادي بعدما ظهرت الأيقونات المسيحية الشهيرة التي تصور المعركة مع التنين.

واذا عدنا لكل الايقونات التي رسمت معركة القديس جورجيوس (الذي يطلق عليه المسلمون اسم " الخضر" ) مع التنين، نجد أن التنين المرسوم في هذه الأيقونات تطابق صورة رأسه صورة تنين قلعة حلب.

علما أن الاساطير تذكر أن معركة القديس جورجس مع التنين كانت في سوريا، ومنها من يقول أنها كانت في فلسطين أو لبنان، وقد اتخذت بيروت أيقونة "سان جورج والتنين" شعارا لها، واتخذته كذلك مدن جنوا وموسكو وغيرها كثير.

لا يمكننا ان نتجاهل وجود مقام الخضر او جورجيوس قرب باب التنين في مدخل القلعة ولا يمكننا أن نتجاهل الربط بينهما.

تقول المراجع التاريخية أنه في عام 1212م بنى الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الايوبي البرج الرئيسي بالقلعة والذي يوجد على بابه حالياً رمز التنين.

ولا يمكن التغاضي عن العلاقات التي طالت لما يزيد على المائتي سنة بين الصليبيين والسوريين بعدما استوطن الصليبيون سوريا وبنوا قلاعهم الشهيرة فيها، وأقاموا العلاقات التجارية مع أهلها وأبرموا المعاهدات مع ملوكها.

وآخرهم صلاح الدين الأيوبي الذي تفاوض حول عرض شهير بأن يقوم شقيقه الملك العادل بالزواج من شقيقة ريتشارد قلب الأسد ليحل الوئام بينهما.

وطال وجود الصليبين حتى أواخر العهد الايوبي وبداية العهد المملوكي.

ولكن هل نفترض تأثر الظاهر غازي بإسطورة جرجس والتنين التي تبناها الصليبيون مما دعاه لوضع شعار التنين وبناء مقام الخضر جرجس في مدخل القلعة ؟

أما أن هذه الأسطورة سورية أصيلة وتأثر بها الأيوبيون و الصليبيون معاً؟

الإشكالية الأخرى أن المراجع تشير إلى تعرض البرج للدمار على يد هولاكو وإعادة بنائه في زمن السلطان المملوكي قلاوون عام 1291م كما هو مكتوب على النقش الحجري أسفل رسم التنين في باب التنين .

كما أعيد تجديد البرج زمن السلطان المملوكي برقوق عام 1384م كما هو مكتوب في النقوش الاثرية على واجهة البرج الرئيسي.

فهل أضيف رسم التنين على واجهة القلعة في الزمن المملوكي أم كان الظاهر غازي هو من وضعه ؟ لا توجد دراسات أثرية حتى الآن تحدد ذلك بدقة.

أدعوكم إلى تغيير اسم باب " الحيات" في مدخل قلعة حلب إلى باب "التنين" وتغيير ذلك في كافة المراجع الحديثة التاريخية والسياحية والتي كُتبت حول قلعة حلب.

ولتكن مدينة حلب مدينة " التنين".
 

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة