خطر البسطات على الناتج القومي الحلبي

بعد الدراسة المتأنية و التحليل الهادئ العميق للأسباب التي تؤدي إلى انخفاض الناتج القومي الحلبي، و انخفاض أسعار الدولار، تبين لي أن أصحاب البسطات هم المتسبب الرئيسي في هذا الانخفاض .

و تبين لي أنني لست الوحيد الذي اكتشف ذلك ، بل سبقتني إلى ذلك بلدية حلب ، التي أدركت الخطر المستشري لهؤلاء ، فقامت و منذ سنوات بشن حملات و غارات ناجحة جدا ، أدت إلى نتائج حاسمة و فورية و أعادت الحق الى نصابه ، فتمت مصادرة عدة عربيات خضار بما عليها من خضار ،و عدة عربيات بوشار و بليلة ، و أحيانا استطاعت الفوز ببسطات الجرابات و القداحات و البطاريات .. و توابعها ( اش بدكم احسن من هيك ).

على الرغم من اتباع أصحاب البسطات اسلوب الإنذار المبكر ، و نداءات ( شيل ....شيل ) ، التي تتعالى قبل وصول الدورية ، فقد استطاع رجال الدوريات مشكورين ، و بهمة عالية ، و بضمير حي لا يموت ، الانقضاض كالصقور الجارحة ، على هذا الخطر الشديد المحدق بالاقتصاد القومي الحلبي ، و إزالته من جذوره ( و لو كانت الفعالية لمدة نصف ساعة فقط ، ليعودوا الى بسطاتهم كما كانت ).

و على الرغم من هذه الحملات قد لا تفيد أحياناً ، الا في خراب بيت الدرويش صاحب البسطة ، و الذي قد يعيل أكثر من عشرة أشخاص ( زوجته و أولاده و أمه ، و أحيانا حماته )، و تُجرده من رأسماله الطائل ، الذي قد يبلغ الألف ليرة ، أو كحد أقصى الألفي ليرة ، قيمة البضائع المصادرة ، الا أنها تنجح في منعه من التحول إلى إنسان رأسمالي بشع ، بكل ما في الاقتصاد الرأسمالي من استغلال و جشع .

فلو استمر هذا الدرويش في تنمية تجارة بسطته ، و التي قد يستعين في توسعتها بأولاد و أولاد حميه ، و إنشاء بسطات جديدة ، قد تكون نواة مجتمع رأسمالي لا يحمد عقباه ،بما فيه من شركات بسطات قابضة عملاقة .

و صحيح انه يبسط ببضائع لا تزيد قيمتها عن الألف أو الألفين ، و لكنه حتما يخفي في البنوك ملايين الليرات إن لم نقل الدولارات ، و ما بسطته هذه الا تغطية مكشوفة ، لدراسة أوضاع السوق المحلية ، و جس نبض الشارع الاقتصادي ، و معرفة الجدوى الاقتصادية لمشروعاته المستقبلية ( و لكن على مين يابا ) .

و صحيح أن مصادرة هذه البسطة قد يؤدي إلى آثار جانبية بسيطة جدا جدا :

جوع الأسرة التي يعيلها هذا الرأسمالي صاحب البسطة ، و إلى فقدانه عمله ، و إلى تحويله جبرا ، إلى التسول أو السرقة ، و إلى عدم قدرته على تعليم أولاده إن رغب بذلك ، و دفعه دفعا ، إلى إرسالهم إلى إشارات المرور لمسح زجاج السيارات .

و لكننا و أمام هذه النتائج البسيطة ، نكون بذلك قد حولنا توجهاته الرأسمالية إلى استثمارات خدمية للمجتمع ( خاصة في موضوع مسح زجاج السيارات ) .

و هذه الآثار الجانبية كلها ، لا تؤثر أمام الهدف الأسمى ، و هو منعه غصبا عنه من التحول إلى رأسمالي جشع ، قد يستغل غيره من الدراويش و المعدمين المساكين اصحاب السيارات الفارهة الذين يتكبدون عناء النزول من سياراتهم ( و احيانا من الشباك ) لشراء بضائع بسطته .

و على الرغم من أن هذه بلدية حلب قد أوجدت حلول بديلة ( في المنام ) :

فأنشئت ساحات معبدة ، فيها المظلات الملونة ، و المرافق العامة من كهرباء و ماء و غيرها ، و منصات لائقة لوضع البضائع ، و انتشرت هذه الساحات في مختلف أحياء المدينة ، و رحبت و شجعت بأصحاب البسطات ، لعرض بضائعهم ، لقاء رسوم بسيطة ، و قروض ميسرة .

و لكن هؤلاء الرأسماليين ، المكشوفي النوايا ، أبوا و استكبروا ، و أصروا على التبسيط في زوايا الطرقات و تحت الأمطار و فوق الأوحال ، مُهددين بأية لحظة بمصادرة أرزاقهم .

مما كشف سوء نواياهم و توجهاتهم الحقيقية ، و رغبتهم البشعة في استغلال المجتمع من حولهم .
و بذلك يكونون قد جنوا على أنفسهم ، و ليتحملوا تبعات أعمالهم .

تحية إلى تحليلي الاقتصادي الفذ ، و تحية إلى من سبقوني إليه ، و يبدو لي أن أغلب التحليلات الاقتصادية التي تسيطر على إجراءات بلديتنا الكريمة ، من ذات المستوى الفذ.

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة