"ممالك النار" .. نقد 4

هل كان الخليفة العباسي في دولة المماليك خليفة مزور؟ وهل حصل العثمانيون على الخلافة لاحقاً من خليفة مزور؟

ظهرت في الحلقة الأخيرة من مسلسل ممالك النار مشاهد لزيارة السلطان المملوكي قانصوه الغوري للخليفة العباسي في القاهرة، وظهر أن هذا الخليفة لا يملك من أمره شيء وكانت والدته ( قامت بالدور منى واصف) تؤنبه على ضعفه وخضوعه للمماليك رغم أنه خليفة عباسي.

حقيقة الأمر أن الخلافة العباسية زالت بسقوط بغداد على يد المغول عام 1258م وأبيدت سلالة الخلفاء. وأن الخلافة زمن المماليك مشكوك بأمرها وبالتالي الخلافة التي ورثها العثمانيون مبنية على خلافة مشكوك بأمرها.

بعد وفاة خان المغول مونكو خان انسحب هولاكو عام 1260م إلى (كراكوم في منغوليا) مع جيشه البالغ مائتي ألف مقاتل وترك حامية صغيرة في بلاد الشام لا تزيد على عشرة آلاف رجل ليشارك في انتخاب خان المغول الجديد، استطاع مماليك القاهرة التغلب على هذه الحامية الصغيرة التي كانت تحت قيادة كتبغا في موقعة عين جالوت في فلسطين عام 1261م بعدما استعانوا بجيش خوارزم.

لم يكن المماليك يسمحون لسكان بلاد الشام ومصر حمل السلاح او الانضمام لقوات الجيش فقد كانوا يعتبروا رعايا من الدرجة الثانية.

كانت جيوش الطرفين المغول والمماليك والخوارزميين من أسيا الوسطى. ولو كان هولاكو موجوداً وبكامل جيشه لما استطاعوا ذلك أبداً. ولما كانت هناك معركة عين جالوت.

رأى قطز المملوكي أن الفرصة سانحة ليحكم مصر وبلاد الشام ولكن على اعتبار أنه يحتاج إلى غطاء شرعي يجعل عامة المسلمين تقبل به، هذا الغطاء الشرعي هو منصب الخلافة، وعلى اعتبار أن الخلافة وفق الشريعة يجب أن تكون بخليفة من نسل قرشي، وقطز مملوك من خوارزم أي من آسيا الوسطى غرب اوزبك ستان، فهو بحاجة لإيجاد رجل من نسب قرشي ليقوم بتوليته الخلافة ويضعه خليفة صورياً، ويعينه هذا الخليفة السلطان الفعلي ليكسب شرعية مستمدة من الشريعة الإسلامية.

وجد قطز رجلاً في دمشق قال أنه من نسل عباسي قرشي وهرب من بغداد ( طبعاً دون أي إثبات لمزاعمه هذه) اسمه "أحمد ابو العباس" فبايعه على أن يكون خليفة عباسياً، لكن تم اغتيال قطز وفشل المشروع، وبقي مصير هذا الخليفة معلقاً.

تولى زعامة المماليك بيبرس ( يقال أنه من كازاخ ستان) فسار على ذات النهج، ووجد في القاهرة رجلاً اسمه "ابو القاسم أحمد" مع جماعة من البدو الذين شهدوا أنه ابن الخليفة العباسي "الظاهر بأمر الله" !!!!

فأمر بيبرس بمبايعته خليفة عباسياً تحت لقب "المستنصر بالله"، وقام هذا الخليفة الجديد بإعلان بيبرس سلطاناً على المسلمين.

منح بيبرس هذا الخليفة بعض الرجال ( حوالي أربعمائة رجل ) وأرسله لبغداد لكي يستردها من المغول!! يبدو أنه قرر التخلص منه بعدما لمس منه مطامح تؤثر عليه.

طبعا قام مغول بغداد بقتله وإبادة من معه.

ظهر في القاهرة الرجل الأول "أحمد ابو العباس" الذي بايعه قطز قديماً، تلقفه بيبرس واعترف بنسبه المزعوم للعباسيين دون شهود، وبايعه خليفة تحت اسم "الحاكم بأمر الله"، ووضعه في أحد أبراج قلعة صلاح الدين في القاهرة تحت حراسة مشددة، كان خليفة اسمياً لا حول له ولاقوة. واستمر الحال هكذا طوال عهد المماليك.

أما عن الأثر الشريف ( عباءة الرسول الكريم وسيفه ) الذي ظهر في المسلسل، وذكر المسلسل أنه تناقله سلاطين المماليك ثم حازه سلاطين العثمانيين وهو مصدر فخر، ويعرض في المتحف العثماني الحالي فلا يوجد إطلاقاً أي دليل على صحته وصحة نسبته.
وللحديث بقية.
--------------
-اقتباس من كتابي القادم :
"طريق الحرير.
قراءة معاصرة لدور محاور التجارة الدولية في قيام وسقوط الإمبراطوريات والدول"
قيد النشر.

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة