عقيل سقاطي .. اسطورة المجاهدين

استمر بالثورة لوحده 5 سنوات.. في عيد الشهداء ..نتذكر الشاب "عقيل اسقاطي" آخر شهداء ثورة هنانو

هو عقيل ابراهيم الملقب عقيل اسقاطي نسبة إلى قريته "إسقاط" التي ولد فيها ،و الواقعة إلى الشمال من بلدة "سلقين" بمحافظة ادلب بـ/3/ كم.

ولد في قرية اسقاط سنة 1900 ميلادي عاش يتيماً بعدما توفي والده عندما كان عمره سنتين ، عمل بالفلاحة و برعي الأغنام حتى التحاقه بثورة "هنانو" عندما كان عمره عشرين عاماً .

اشتهر بالشجاعة والاقدام الفائقين ، و من يتأمل صورته المنشورة مع المقال يلاحظ علامات الذكاء الحاد في وجهه و الشرر الذي يتطاير من عينيه .

تحول عقيل الى إسطورة يتناقلها أهل المنطقة و كان ملهماً للكثيرين لينضموا الى ركاب الثوار .

أثناء ثورة هنانو اشتهر عن عقيل أنه كان يجبر الأغنياء على التبرع للثوار ، في حال امتنعوا عن ذلك .

روى لي العميد أسعد طاهر أغا أن عقيل قام بخطف أحد وجهاء إدلب من آل دويدري مطالباً بفدية ضخمة تدفع لتغطية تكاليف الثوار .

استلزم الأمر تدخل الوجيه طاهر آغا عبد الكريم من بلدة كفر كرمين ( الذي تربطه علاقات جيدة بالزعيم إبراهيم هنانو ورجاله لدعمه الدائم لهم ) فاستطاع هذا الوجيه فك أسر المخطوف دون دفع الفدية .

و روى لي الاستاذ محمد السيد أن عقيل قام أيضاً بخطف نوري آغا الأصفري ، بعدما تنكر بلباس بدوي ، و جلس في مضافة الأغا ، منتظراً حتى انفض الجمع فكشف عن شخصيته ، و كان مجرد الكشف عن شخصيته كافياً لإثارة الرعب فيمن حوله ، اصطحب عقيل أسيره و أركبه على الفرس و صعد به الى منطقة جبال ملّس .

دفع أهل نوري أغا فدية قدرها ألف ليرة ذهبية لمصلحة الثوار حتى أطلق عقيل سراحه .

كما روى لي أنه دخل بمفرده الى بلدة دركوش ملثماً وطرق باب منزل عبدو اغا الشيخ عمر أحد أعيان البلدة ، و سأل عن نجله الكبير مصطفى آغا مدعياً انه بدوي شريك لهم .

فقالت له النساء أنه موجود في المستودع يوزع البذار على الفلاحين ، فدخل المستودع والآغا محاط برجاله وأنزل اللثام عن وجهه قائلاً : أنا عقيل اسقاطي .

كالعادة كان هذا الاسم كفيلاً ببث الرعب والاستسلام بالرجال المحيطين بالآغا .

قام باصطحابه من بين رجاله مجتازاً طرقات البلدة ، دون ان يجرؤ أحد على التعرض له ، واصلاً الى ضفاف العاصي صاعداً إلى الجبل الوسطاني المجاور، بعدما أعلن أنه لن يرجعه الا بعد دفع فدية تقدر بألف ليرة ذهبية ، و أن يقوم الآغا بكسوة ثمانون فرداً من الثوار و دفع تكاليف حدوة خيولهم ، كان يطلق على الثوار التعبير التركي ( جتا ) .

كانت الكسوة المطلوبة مؤلفة من عباية حمراء مقصبة ( و هي غالية الثمن ) و قميص ( ملتان ) من الملس المطرز ، و شروال من التوبيت الانكليزي ، و صرماية حمرا ، و قبعة و حطاطة كسروان مقصبة من الحرير .

و يضاف الى الفدية الفرس الحمراء الشهيرة التي كان الآغا يقتنيها و يشتهر بها ، اضطر ذويه لدفع الفدية الضخمة حتى يُطلق سراح ابنهم .

كان المال يؤخذ من الاغنياء لينفق على الثوار لشراء الذخائر و العتاد ، و ينفق على أسرهم التي تركوها ورائهم بلا معيل في سبيل الجهاد الوطني ، و على أسر الفلاحين الذين كان الفرنسيون يصادرون أموالهم عندما يعلمون بأنهم قدموا المساعدة للثوار ، فكان عقيل يعوض هؤلاء عما سلبه منهم الفرنسيون .

شارك عقيل ( الملقب أبو تركي ) على رأس رجاله في جميع معارك ثورة هنانو و كبد الفرنسيين خسائر فادحة .

عندما انتهت ثورة ابراهيم هنانو عام 1921 استمر بالثورة لوحده فأقام في الأراضي التركية وتزوج من إمرأة تركية ولم ينجب ولداً ، وكان يجتاز الحدود بشكل دائم للإغارة على القوات الفرنسية ، فأقض مضاجعهم وأنزل بهم أفدح الخسائر وكان يصاحبه أحيانا ثلة صغيرة من رفاقه المجاهدين .

في ربيع عام 1926 بعد خمس سنوات من الجهاد المنفرد و تناقص الدعم المادي و الذخائر لدى الثوار ، كان عقيل السقاطي قائداً لمجموعة من خمس و ستين مجاهداً أطلق عليهم فرقة المغاوير .
استطاع الفرنسيون نصب كمين له في جبل الدويله قرب منطقة تل عمار ، و عندما انسحب باتجاه الجبال بعدما شارفت الذخيرة على النفاذ ، قامت الطائرات الفرنسية بقصف الثوار .

و استطاع أحد الثوار إطلاق الرصاص على طائرة تطير بعلو منخفض فأسقطها .

إلتفت القوات الفرنسية حول الجبل و استطاعت الهجوم على مؤخرة قوات الثوار ، و سقط عقيل شهيداً ، وكان عمره آنذاك /26/ عاماً فقط .

قُتل في تلك المعركة من الفرنسيين ضابط برتبة ملازم أول و ستة و عشرون جندياً ، و استشهد من المجاهدين ثلاثة و عشرون .

نقل الفرنسيون جثمانه ( بعدما قيل أنهم مثلوا به جزاءاً على قتله العشرات من الفرنسيين ) إلى قرية "كفر هند" القريبة من "تل عمار" ثم إلى "حارم" حيث دفن فيها .

في فترة الحكم الوطني بعد الاستقلال تم نقل رفاته إلى إحدى مدارس بلدة "إسقاط" التي سميت مدرسة عقيل اسقاطي .

فعل عقيل ما فعل و تحول الى إسطورة وطنية و استشهد شاباً في السادسة و العشرين من عمره ،فهل تكون أجيالنا الشابة في العشرينات من عمرها على خطى عقيل.

المراجع :

  • تاريخ الثورات السورية أدهم آل جندي
  • مذكرات المجاهد ابراهيم الشغوري .
بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة