سائق التاكسي الحزين - الجزء الأول

اتصلت به في الثامنة صباحاً وسألته: هل تخرج بجولة لنتفقد الأوضاع في اليوم الأول من الحجر الجزئي بحلب؟ ( نحن في 22 اذار 2020) قال لي: أنا بالشارع منذ السابعة صباحا.

- ماذا تفعل من ...الصبح؟
- اشتريت ربطتين خبز من الفرن ورجعان عالبيت.

بانفعال واندهاش: - منين؟ ليش في خبز ؟ ما في زحمة؟

أجاب : - مافي غير تلاتة أربعة واقفين عالدور.

- مستحيل اكيد عبتمزح ، خلال تلات دقايق بكون عندك.

وصلت إليه وتوجهنا نحو الفرن الأول بالخالدية، لا يوجد أحد أمام الفرن، وشابين يبدو أنهما أصحاب الفرن جالسين تحت الشمس باسترخاء.

- ما في خبز يا شباب؟
- بلطف غير معهود: والله نفقنا يا عمو، صار لنا من الوحدة بالليل عبنجهز ربطات، وبالستة فتحنا 

ووزعنا لكل واحد ربطتين ب 100 ليرة وما صار زحمة ابدا ، وبالسبعة ونص نفقنا كل الخبز.

- طيب وليش ما تم الاعلان انو التوزيع من الستة للسبعة ونص ؟
- نحنا قلنا للناس وما بعرف ليش ما انتشر الخبر ؟

توجهنا باتجاه فرنين آخرين، وذات الوضع وذات الرد.

بقي الفرن الاحتياطي في الشهباء الجديدة وهو الفرن الأطيب خبزاً.

وصلنا لنشاهد دور طويل جداً، قلت بيأس: هيك متعودين هادا الطبيعي.

نزلنا لنتفرج ونحن على يقين أن لا حظ لي بالخبزات اليوم.

شاهدت شابا اعرفه جيدا وهو عضو في مجلس المحافظة ، ومعه شاب آخر أعرف أنه من لجنة الحي، وشاهدت ثلاث صفوف طويلة منفصلة: 

الاول للرجال والثاني للنساء والثالث على ما يبدو من اللباس انه للعساكر.

قربت وصرت اسمع :

- مرحبا أنا شوفير العميد فلان .
- أجابه عضو مجلس المحافظة: اهلا وسهلا انت مو البارحة جيت، تكرم وقف على دور العساكر.
- جيت البارحة ورح أجي كل يوم ، هدول الخبزات لبيت المعلم، وانا ما بوقف عالدور.
- اكيد سيادة العميد ما بيرضى تحكي هيك، اذا بدك خبز تكرم بس وقف عالدور وتكرم عينك.  
- دار ضهره الشوفير وراح، وهوه عبقول: رح ارجع بس بغير طريقة.
-نادى عضو المجلس على شاب بمتوسط العمر:  حضرتك ضابط تفضل خود خبز مافي داعي توقف عالدور.
- نعم ضابط  ملازم اول بس بدي وقف عالدور سعري بسعر العالم، سكت شوي وقال : وكمان بدي اوقف لانو ما رضيت تعطيني ب 200 رغم اني قلتلك ضابط.
- قرار المحافظ لكل مواطن ب 100 ليرة خبز فقط ، أنا لو الخبز من عندي بوزعه كله إلكم، تكرمو، بس هادا الخبز لكل الناس.

سكت الملازم الاول، وضل واقف عالدور .

قلت لحالي هادا العضو بده ياكل قتلة بس مو عرفان شلون ، قربت عليه وسلمت سألته : اش علقك هالعلقة ، ما معك دورية شرطة ، مالك خايف على حالك؟ 

قال لي: كانوا الشرطة هون من شوي، وقلتلهم يروحوا، والامور ممتازة والناس متفهمة.

الدور كان عبيمشي. والناس صامتة ، كأني مالنا بحلب.

اجو ثلاثة قضاة محترمين ووقفوا بخجل قرب نافذة التوزيع، سلمت عليهم وقلت له معرفا عنهم: 

زملائنا قضاة وعندهم دوام مناوبين، قال: قضاة تكرموا اعطوا كل واحد بمائة ليرة فقط.

قلت هي هيه فرصتي الذهبية سألته: وللمحامين مافي؟ 

ضحك وقال: والله للمحامين مافي قرار بس تكرم عينك وقف شوي وما بتخجل.

تفاءلت ووقفت وانتظرت وقلت بتفرج على بقية الحالات :

اجا تلاتة وعلى وجوههم الهم والجدية وصرخوله، راح لعندهم، وكالعادة الفضول دبحني، لحقتهم ، طلع صاحب الفرن ومعه اتنين و عبقولوله : سيادة اللواء جوا وبده خبز ، اجابه تكرم خدله خبز بمية ليرة والضباط ما عبقفوا عالدور، قال له سيادة اللواء بده اكتر من مية ليرة، قال له طيب عطيه بميتين وخليه يجي ياخد تكرم. 

اجاب صاحب الفرن : ما رح يجي لهون معلش اعطيه من جوا، قال له : مافي مشكلة.

راح صاحب الفرن شوي ورجع وقال : انت بتغطيني وبتحميني اذا قالوا عني عبعطي لحدا من جوات الفرن وبرات الدور، قال له الشب: لا بكرا بتفتح علينا باب، خلي يجي حدا عنه يوقف هون عالدور.

انا قلت بيني وبين حالي هدول اكيد عبيمزحوا او عبيعملوا كاميرا خفية، اش نحنا بسويسرا، قربت منه وسألته مين خيو سيادة اللواء ؟، قال لي هو لواء متقاعد من المحاربين القدماء.

اكتشفت اني انتظرت اكتر من لو كنت واقف عالدور ، قلت له وين خبزاتي ؟ 

قال لي تكرم استاذ واخدت الخبزات ورجعت مع رفيقي عالبيت .

اسم عضو لجنة المحافظة: تمام شلاش.
----------------------
قصة سائق التكسي الحزين لاحقاً

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة