مذكرات فيروس "خنزيري"

نشر هذا المقال في عام 2009 بهدف شرح بعض المعلومات عن فيروس انفلونزا الخنازير

كتب الفيروس في مذكراته اليومية:

ما أن جئت إلى هذه الدنيا حتى ضج الناس بي ، وأصبحت لي شهرة واسعة  ، وتناقلت أخباري الشفاه وتكلمت عن وصولي القنوات الفضائية  وصفحات الانترنت.

 سألت نفسي عما يميزني عن إخوتي الأكبر مني سناً كشقيقي فيروس " أنفلونزا الطيور " الذي يكبرني بقليل ، و الذي قطن أجداده  أجساد الطيور , بينما قطن أجدادي أجساد الخنازير إذا صح النسب الذي ينسبونني إليه.

كلنا نبحث عن مأوى دافئ و مريح يتوفر فيه الغذاء،كي ننشئ أسرة و ننجب أولادا و أحفادا، صحيح أننا عدوانيون بطبعنا و نرغب بالسيطرة على المكان الذي نتواجد فيه و لكنها سنة الحياة، أليس هذا ما يفعله الكبار كأمريكا و الصغار كإسرائيل .

على الرغم من أنني جئت إلى الحياة كغيري من المخلوقات، ولم يكن لدي خيار في ذلك، فقد اتهمت بالعمالة للغرب وأجهزة مخابراته، وأنني صنيعة المخابر الطبية السرية العسكرية أو المدنية ، التابعة للجيوش العظمى و لمختبرات  شركات الأدوية العملاقة .. ربما يكون الأمر كذلك  لأنني لم أكن واعيا لحظة ولادتي .

وجدت نفسي سابحا  في الهواء خارجا من فم طفل عطس في وجه رفاقه في مدرسة للأطفال ، وعندما شعرت بالبرد لم يكن أمامي إلا  أن ادخل الجسد الدافئ للطفل الذي وجدته أمامي عبر جهازه التنفسي  مخترقا الغشاء المخاطي وصولا للدم ، لأسبح فيه واصل إلى الخلايا المفضلة لدي في الرئتين ، لأقيم داخلها مستفيدا من تكاثر خلاياها كي أتكاثر معها ، و أحقق شعور الأمومة لدي بإنجاب  أبنائي.

ابتعدت عن الأجزاء القريبة من الخارج كالأنف و الحلق و لم أسبب زكاما أو عطاسا كي لا يسهل طردي.

وعلى الرغم من كل فعلته , لم أُلاقى بالترحاب  واستنفرت دفاعات هذا الجسم الذي احتميت به لمواجهة كائن ضعيف مثلي .

و على الرغم من أن الأغشية المخاطية للرئتين بما فيها من قوات دفاعية لم تستطع ابتلاعنا لينتج عن جثثنا " بلغم مخاطي "  فقد بدأت عضلات الرئتين نتيجة تحسسها من وجودنا بالتقلص مسببة السعال محاولة إخراج البلغم الذي لم يوجد أصلا و فشلت في ذلك فجاء سعالها جافا.

وأدت شدة انفعال الجسم بمواجهتي لارتفاع حرارته، لتصل خلال ساعات قليلة من دخولي لحوالي 40 درجة مئوية .

أرسل جهاز المناعة اللعين  قوات الاستطلاع الذين التصقوا بي للحصول على نسخة من بصماتي كي ينقلوها  إلى سيدهم  في محاولة للبحث عن سوابقي لديه، و يرسل لي رجال الفرع المختص بمواجهتي ، فيلتصق بي رجال أمنه و يمنعوني من  اقتحام جدار الخلايا .

فلينسخوا مني ما شاؤا فلا يوجد لدى سيدهم أية معلومات عني، و لا يوجد من الفروع من يستطيع التعرف علي، فأنا صاحب شكل جديد  على احدث الموضات العالمية .

سارع  المستطلعون بحمل المعلومات عني  إلى سيدهم جهاز المناعة و لكن لعدم وجود مثيل سابق لي، و لا حتى لقاح يحمل جزءاً من بصماتي، عجز سيدهم عن العثور على قوات مدربة مختصة بمواجهتي و قادرة على الالتحام بي لإبطال مفعولي، اضطر جهاز المناعة لرفع جاهزيته القتالية مستدعيا قواته كلها على مختلف أنواعها  و بدأت المعركة بيننا، أنا و أولادي من جهة  و قوات المناعة بمختلف وحداتها من جهة أخرى ، فسقطت الضحايا من الطرفين ، قاتلنا بشراسة مدافعين عن حياتنا .

ربما تكون قوات المقاومة صاحبة عقيدة تدفعها للاستبسال في الدفاع عن وطنها و هي موقنة بالنصر ، و لكننا مشردون نبحث عن وطن جديد نستنزف خيراته كي نعيش عليها ، و معركتنا معركة حياة أو موت أيضا .

طالت المعركة ثلاثة أيام ، و أدت مع ارتفاع الحرارة المستمر إلى وهن عام في الجسم و خاصة في المفاصل .
استطاع بعض أبنائي الوصول إلى المعدة مسببين تخريش جدارها فتغيرت آليات عملها ، فوجئوا بالمعدة تتقلص وتطرد ما فيها رغبة في التخلص منهم و لاستعادة توازن عصاراتها ،لم تنجح  إلا بالتخلص من بعضهم .

توجه أخرون للأمعاء التي حاولت طردهم بالإسهال بعدما تسببوا بتخريشها و لكن باءت محاولاتها بالفشل .

استغلت بعض الجراثيم  المختبئة بانتظار فرصة سانحة , وهي انشغال قوات الجسم و انخفاض عددهم نتيجة حربنا الضروس معها ، وبدأت بالتكاثر  والخروج من مكامنها مسببة الالتهابات .

أؤكد لكم انه لا ذنب لنا بهذه الالتهابات و أنها من اختصاص تلك الجراثيم ، وعندما قام أهل الطفل بإعطائه جرعات من دواء فيه مضادات حيوية انقضّت على تلك الجراثيم و بدأت بالقضاء عليها ، و لكنهم لا يعلمون أنها لا تؤثر بنا إطلاقا .

شاء سوء حظي أنني انتقيت طفلا صحيح الجسم معافى لا توجد لديه جراثيم و أمراض قوية كامنة و سرعان ما قضى جهاز مناعته بمعونة أدوية المضادات الحيوية على هذه الجراثيم الحليفة الضعيفة ، و شاء سوء حظي أن أهل الطفل عرفوا أن الوسيلة الوحيدة الناجعة معنا نحن معشر الفيروسات هي تخفيض حرارة الجسم و الانتظار حتى تستطيع قوات المناعة التعرف جيدا علينا و تدريب قوات خاصة تعرف أفضل الطرق للتعامل معنا .

و مع نهاية اليوم الثالث بدأت هذه القوات بالتقدم و بدأ أبنائي بالتقهقر ، خفف الجسم من انفعاله بعدما بدأ يشعر أن نتيجة المعركة أصبحت محسومة و انخفضت حرارته ،و بدأت قواته الخاصة بمطاردة فلولنا ، بقيت لنا بعض القواعد التي بدأت تسقط الواحدة بعد الأخرى و بقيت عضلات الرئتين تتقلص أحيانا لتسبب السعال و تذكر الطفل بوجود فلولنا .

سمعت أن بعض أقراني اختاروا طفلا رضيعا أو شيخا عجوزا أو امرأة حامل أو بالغاً مصاباً بالعديد من الأمراض و قد وهن جسمه ، كان حظهم في المعركة أفضل ، و لكنها كما سمعت حالات فردية قليلة لا تكاد تذكر بالنسبة للأجسام التي هاجمناها و فشلنا في معركتنا معها .

ففي أمريكا التي يفترض أن تكون حليفة لنا كما هي حليفة لصديقتنا إسرائيل ، و اعتادت أن تكون سياستها مشابهة لسياستنا في محاولة احتلال الأجسام و محاولة السيطرة عليها لاستنزاف خيراتها ، كانت نسبة نجاح المعركة ألف إنسان ضحية لنا من أصل مليون إصابة ، و هي نسبة تعادل واحداً بالألف و لا يمكن أن تسجل هذه النسبة كانتصار لنا .

و على الرغم من قيام أمريكا و من يقف بصفها باستغلالنا أبشع استغلال لتحقيق أرباح تجارية من مبيعات الأدوية و اللقاحات التي تحمل أجزاء منا ، فقد أعلنت حالة الطوارئ لمواجهتنا. ربما يكون هذا الإعلان لزيادة مبيعات أدوية شركاتها القابضة.و لكننا و الأمريكان حليفان و من جنس واحد . صدقاً لا نستحق هذه المعاملة منهم.

أشعر باقتراب قوات الجسم الخاصة من آخر معاقلنا ، يبدو أن قدرنا هو الفناء أو العودة إلى أجساد الخنازير موطننا الأصلي ، و ها أنا اكتب لكم آخر كلماتي و أنشر مذكراتي كي تكون عبرة لغيري .

ملاحظة 
عذرا إن كانت بعض معلوماتي الطبية مغلوطة فأنا فيروس صغير لم يكتب له الحياة إلا لإسبوع واحد.

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة