بلاط حلب الاثري الضائع

كان لبيوت حلب في مطلع القرن العشرين بلاطا ملونا مميزا اصطلح الناس على تسميته بالبلاط " المطبع " .

تعتبر كل بلاطة منه عملا فنيا يدويا مميزا ، و عندما يجمع هذا البلاط في غرفة واحدة  يعتبر لوحة فنية جميلة .

للاسف توقفت حرفة صنع هذا النوع و أخذ بالانقراض بعدما بدأت البيوت المبلطة به بالتهدم او بدأ سكانها بقلعه و استبداله بالبلاط الحديث .

بدأت قصتي معه عندما كنت اعثر على مجموعات منه قلعت من أحد البيوت و تم تجميعها لدى باعة مواد البناء المستعملة الذين تخصصوا ببيع بقايا البيوت الاثرية 

لم أكن اعرف أهميته حتى سألت هؤلاء عمن يشتريه بعد قلعه فأكدوا لي ان تجار الأثار يأتون من لبنان خاصة ليشتروه بعد قلعه و بأسعار مرتفعة ليعيدوا تبليطه في منازلهم الحديثة بعدما يجمعونه بلاطة بلاطة ليحولوه الى لوحات فنية يتباهون بقيمتها الفنية و الاثرية .

على الرغم من منظره المريع بعدما تم قلعه و تجميعه في كوم عشوائية قررت ان أجرب اقتناءه و اعادة تنظيفه و فرزه و جمعه قطعة قطعة و اعادة تبليط غرفة حديثة به ، كان الامر مجهدا و لكن النتائج بديعة .

و لا حظت جماليته بعدما يعاد تنظيفه و تبليطه بلاطة إثر بلاطة ليعطي ديكورا داخليا بديعا.

 ثم وقع بين يدي كتاب فاخر صادر عن إحدى دور النشر في باريس يحمل عنوان "البلاط الملون في دول حوض البحر المتوسط " قامت مؤلفة الكتاب بالتقاط صور لآلية صنع هذا البلاط اليدوي الصنع و لنماذج منه في المدن العربية و الاوربية الواقعة على حوض البحر المتوسط كالمدن الاسبانية و الفرنسية و بعض المدن العربية كبيروت و غيرها .

و اعتبرت الباحثة في كتابها ان حرفة صنع هذا النوع من البلاط حرفة "منقرضة " يجب اعادة إحياءها ، و ان هذه الاعمال الفنية يجب الحرص على جمعها و اعادة استعمالها كأرقى أعمال الديكور الداخلي الحديث .
و فات مؤلفة الكتاب ان تذكر تواجد هذا النوع من البلاط في مدينة حلب .

فقمت بجولة على البيوت الحلبية التي بنيت مطلع القرن العشرين و وثقت نماذج منه ، كانت أغلب هذه البيوت في مناطق العزيزية و الجميلية و غيرها،  للاسف لاحظت اهمال اصحابها لما لديهم و تمنيهم الضمني ازالته و استبداله بالبلاط الحديث الآلي الصنع .

شاهدته بأبهى صوره في فندق بارون العريق و في مدرسة المأمون التاريخية .

 و لكن للاسف عندما زرت المدرسة بعدما تم الانتهاء من ترميمها في عام 2010 من قبل متبرع كريم حريص على بنيتها التاريخية و هو السيد عبد العزيز السخني الذي أنفق حوالي خمسين مليون ليرة سورية على أعمال الترميم و بعدما أنهى أعمال ترميمها و سلمها لمديرية التربية لم توضع له و لو حتى لوحة تذكارية لأعماله .

و قد تم خلال ذلك اعادة ترميم هذا البلاط و اخراجه بأبهى حلة  لأفاجأ بأن من تم استلام المدرسة من قبله و هو مؤسسة الاسكان على ما اعتقد  لاعداده و تجهيزه داخليا لعودة الطلاب اليه قد قرر تدمير هذا البلاط التاريخي و ابداله ببلاط حديث و قامت باعادة الزريقة الاسمنتية للجدران الحجرية الجميلة التي تم الكشف عنها و ترميمها و صيانتها  .

و شاهدت العمال يكسرون هذا البلاط قطعة قطعة بحيث لا يمكن الاستفادة منه نهائيا بعدها، و عندما سألتهم عن ذلك أجابوا ان محافظ حلب حينها قد زار المدرسة بعد استلامها ممن رممها و رأى انه بلاط باهت يجب استبداله بآخر حديث .

للاسف لم استطع ايقاف تدميرهم بعدما صرحوا بأنهم عبيد مأمورين من جهة حكومية .

تسألت يومها عن دور مديرية الاثار الغائب دوما ، و عن امكانية قلعه بطريقة فنية عملية بدلا من تكسيره بهذا الشكل  و عن امكانية الاحتفاظ به كمادة أثرية لها قيمة معنوية و مادية كبيرة و نقله الى مكان اثري آخر ما دام لم يعد بالامكان الوقوف في وجه القرار الجائر بإزالته و استبداله .

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة