وجدان 1 : أبو فراس الحمداني

سألت فناننا الكبير يوسف عقيل : 

هل يمكن أن تشرح لي قليلا عن فنية هذه المنحوتات، وانا المواطن الفقير الى الثقافة الفنية ....

أجاب بابتسامة يائسة : فلنبدأ بتمثال أبي فراس الحمداني ، هل تأملته ملياً ؟ 

قلت : لا والله لم أراه بعين الفاحص اطلاقا، بل اعتبره جزءاً من مدخل الحديقة العامة التي تظهره صورها السياحية كمعلم ثابت، هو جزء من كل، ولا يركز عليه أحد كمعلم فني مستقل بذاته.

اقتربنا ونظرنا ....

قال يوسف : بماذا تشعر وانت تراه عن قرب؟

قلت : اشعر به ينطق فحولة وفروسية ووقارا، وصاحب التمثال ينظر بوجه يكاد ينطق .

قال لي : هو وجه فارس مليء بالرجولة، ولكن في ذات الوقت لديه النظرة الحالمة للشاعر.  

في أحد جنبيه سيف، وفي اليد الأخرى قصيدة شعر .

انظر الى بروز رأس السيف تحت العباءة ... 

قلت : فعلا وما الداعي لابراز هذا التفصيل الصعب !! وكان يمكن للنحات ان يسدل العباءة فلا ينتبه أحد ويسهل عليه انجاز العمل، والأغرب ان الفارس يلف العباءة على يده الاخرى، وفي اظهار ذلك جهد نحتي مضاعف، يمكن تجاوزه ...

فأجابني : لان لدى هذا النحات وجدان ...

ومن يملك وجداناً لا يمكن ان يتساهل في اتقان عمله ويهمل هذه التفاصيل ليختصر الوقت والجهد ..

حتى وصل هذا النحات لهذا المستوى من العمل الفني لا بد انه قرأ الكثير عن ابي فراس الحمداني حتى تجسمت شخصيته امامه فاستطاع اظهار تمثاله بهذا الوجه وهذه الفروسية والرومانسية معا.

لا بد أن النحات سهر الليالي أرقاً، وتقلب في فراشه قلقاً، حتى استطاع انجاز عمله هذا بوجدان نفتقده اليوم في انجاز اعمالنا. 

واضاف: رغم أن هذا العمل لا يصل لمرحلة الابداع الفني، ولكنه يصل لأعلى مراحل الوجدان والاتقان في العمل، والحرص على ابراز الجمال. 

سألني: هلا تقرأ اسم النحات ؟ 

اقتربت وبحثت على الكتابة المطموسة على اللوحة المسودة المهملة، فلم استطع تبين من بقايا الكتابة المطموسة اسم النحاتـ وخيل الي انه لا اسم له على منحوتته.

قال لي: هو النحات جاك وردة ، فقلت : لم اسمع باسمه في حياتي!!

فابتسم يوسف وقال : منذ ان غاب الوجدان ... وغاب الجمال ... لم نعد نسمع بأمثاله.

اسأل نفسي : لماذا غاب الجمال عنا؟؟؟!!

———
جاك وردة : من مواليد ماردين  التي كانت تابعة لولاية حلب عام 1913م ، سافر الى باريس عام  1930 لدراسة الفنون وخاصة فن النحت، ولكنه لضيق ذات اليد عاد الى سوريا بعدها بعامين،  شارك في أول معرض للفنانين السوريين في "متحف دمشق" في العام 1950 ،عمل مدرسا في كلية الفنون بدمشق منذ العام 1960 ،ثم عاد إلى حلب، وقام بصنع تمثال ابو فراس الحمداني من الاسمنت المدعم بالقضبان المعدنية بعد إعداد قالب خاص للتمثال،  ثم سافر الى المانيا عام 1965 ، وتوفي في باريس حوالي عام 1986.

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة