وفاة السيدة جيني بوخه مراش في حلب عام 2015م

بعد شتاء طويل وقبل دخول الصيف وتحرير حلب القديمة توفيت السيدة جيني بوخة مراش حفيدة جوزيف بوخه ، وهو التاجر النمساوي الذي وصل وسكن في حلب في الربع الأول من القرن التاسع عشر عام 1820م بعدما تنقل ما بين استانبول و دمشق، ليستقر أخيرا في حلب  المدينة الانشط تجاريا في ذلك الوقت، و سكن مع زوجته في المنزل التاريخي الذي يزيد عمره على خمسمائة عام، والمبني على سطح أحد الخانات التاريخية لمدينة حلب وهو خان النحاسين ضمن أسواق المدينة التاريخية بحلب.

توارث أبناؤه و أحفاده البيت التاريخي، وسكنوا فيه وجعلوه مقرا للقنصليات التي تعينوا قناصل لها ( البلجيكية والهولندية والايطالية والاسبانية وغيرها ) 

المرحومة الصديقة السيدة جيني هي الابنة الوحيدة من الزوجة الانكليزية للطبيب الدكتور ادولف بوخة  الذي درس الطب في فيينا وباريس، لكنه قرر العودة لحلب و افتتاح عيادته الطبية في منطقة قسطل الحجارين الشعبية.

و قد ترأس الدكتور أدولف جمعية العاديات لفترة طويلة كما حاز على وسام الاستحقاق السوري.

جيني بوخة التي تزوجت من المرحوم جورج مراش كانت قد أمضت كامل طفولتها في بيت والدها بخان النحاسين في أقدم أحياء حلب.

كانت تتكلم الانكليزية والفرنسية بطلاقة مدهشة، وعندما كانت تتكلم العربية تنطقها بلهجة حلبية قحة او كما ينطقها الحلبيون "قحية".

أصرت مدام جيني على ابقاء دار بوخة التاريخية مفتوحة لعموم الزوار و الدار عبارة عن متحف كامل لا مثيل له.

فكانت تفتح أبواب المنزل صباح كل يوم جمعة لتستقبل بحفاوة من يرغب بزيارة هذا المتحف العائلي الحميم.

كانت تصر على ابقاء البيت حياً لا يموت .....

زرتها هناك قبل سنوات الحرب وقدمت لي كل المساعدة غير المشروطة لتوثيق ما لديها من أرشيف نادر في متحف عائلتها رغم عدم وجود سابق معرفة.

خلال الحرب اضطررت جيني للسكن في ضيافة بيت إحدى أقرب صديقاتها، بعدما تضرر بيتها الذي انتقلت اليه منذ زواجها في حي العزيزية،

رفضت جيني بوخه أن تغادر حلب إطلاقاً ، رغم أنها الأقدر على المغادرة الى أي بلد في العالم و العيش الكريم هناك.

قبل وفاتها بفترة قصيرة عدت وزرتها ....

كانت تتكلم بمرارة لا مثيل لها عما حل ببيت أجدادها في خان النحاسين من خراب و نهب و دمار خلال الحرب ...

و أحيانا كانت تتوقف عن الكلام في وسط الجملة ...تصمت بما هو أبلغ من الكلام بكثير.

عندماعلمت بوفاتها ... سألت عن سبب الوفاة قالت لي إحدى صديقاتها المقربات ... جيني تأثرت كثيرا بما حدث لبيت خان النحاسين ... هذا هو السبب الحقيقي.

تحررت حلب القديمة بعد وفاتها بحوالي العام ونصف العام ، لم يقيض لها رؤية البيت وقد تدمر ونهبت محتوياته..ربما كان هذا هو الأمر الافضل، تمت اعادة ترميم البيت ولكن معظم محتوياته النفيسة ضاعت. 

جيني بوخه مراش ...حلب تفخر بك ..ولروحك السلام .

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة