محاضر جلسات مجلس النواب السوري لعام 1944م المجلد الثالث جلسات شهور تشرين الاول والثاني وكانون الاول

لا بد لفهم واقع الحياة السورية في عام 1944 من الرجوع قليلا للخلف.

كانت بداية التحولات السياسية في سوريا سنة 1941 ففي مطلع حزيران من تلك السنة قام الحلفاء (بريطانيا و"فرنسا الحرة") بالهجوم على سوريا لانتزاعها من القوات الفرنسية الموالية لألمانيا النازية، التي استسلمت في الشهر السادس من عام 1941.

ومع وصول ممثل "فرنسا الحرة" الجنرال كاترو إلى دمشق وفي تحول تاريخي فرنسي وبعد مماطلات طويلة بدءا من عام 1936م أعلن في 20/7/1941 عن أن الوقت قد حان للاعتراف باستقلال سوريا بالاتفاق مع النخبة السياسية السورية.

وفي هذا السياق أعيد العمل بالدستور السوري المجمّد واختير تاج الدين الحسني رئيساً للدولة في 12/9/1941، وجرى في 28/9/1941 احتفال كبير بإعلان استقلال سوريا في دار البلدية بالمرجة، وهو المكان الذي جرى فيه إعلان استقلال "المملكة السورية" في 8 آذار/ مارس 1920.

وقد سارعت بريطانيا ومصر إلى الاعتراف بسورية المستقلة، وبقيت بريطانيا تضغط على حليفتها "فرنسا الحرة" لإجراء انتخابات برلمانية، وهو ما تمّ في عام 1943 بعد الوفاة المفاجئة للرئيس تاج الدين الحسني.

ونظراً لأن "الكتلة الوطنية" حققت فوزاً كبيراً في هذه الانتخابات فقد فتح ذلك الطريق لانتخاب مرشحها شكري القوتلي رئيساً لـ “الجمهورية السورية" في 17/8/1943.

وعادت الحياة النيابية إلى انطلاقتها الأولى وكان رئيس مجلس النواب فارس الخوري وامين السر اكرم الحوراني وكان ناظم القدسي مقرر اللجنة المالية وكان متسلم منصب رئيس الوزارة سعد الله الجابري وجميل مردم وزير الخارجية ولطفي الحفار وزير الداخلية وخالد العظم وزير المالية ووزير العدلية الطبيب عبد الرحمن كيالي ونصوحي البخاري وزير المعارف والدفاع الوطني. وتوفيق شامية وزير الاقتصاد

وتفرغ مجلس النواب لدراسة مجموعة كبيرة من مشاريع القوانين في نهضة قانونية واسعة للبلاد كالقوانين الضريبية وقانون مكافحة الامراض السارية وقانون الموظفين ومشروع قانون إلغاء الرقابة على الصحف والمطبوعات وقانون الرسوم والتأمينات القضائية

وخلال عمل هذا المجلس تم الاتفاق على اعلان تأسيس جامعة الدول العربية وشرح رئيس الوزراء للمجلس كافة تفاصيل الاجتماعات التي جرت في الاسكندرية والتي أدت لتأسيس الجامعة ما بين الوفود المصرية والسعودية والاردنية والسورية .

وقبل نهاية أعمال المجلس لعام 1944م وفي تشرين الاول عام 1944م انتقل فارس الخوري من رئاسة مجلس النواب لرئاسة مجلس الوزراء وقام بتشكيل الحكومة بينما انتقل سعد الله الجابري من رئاسة الحكومة لرئاسة مجلس النواب بعدما نافسه عليها رشدي الكيخيا منافسة حادة.

وتولى وزارة الخارجية والدفاع جميل مردم ووزارة المالية خالد العظم ووزارة العدلية والاشغال العامة د.عبد الرحمن كيالي

ومن أهم الاحداث المؤثرة في تلك الفترة إلغاء الاستقلال المالي والاداري لمحافظة جبل الدروز وضمها لسوريا وفقا لقرار مجلس ادارتها الذي اوفد النائب يوسف هلال الاطرش ليعلن ذلك. وكذلك الامر اعلن نائب اللاذقية محمد سليمان الاحمد ذات القرار بإلغاء الاستقلال المالي والاداري لمحافظة اللاذقية وضمها لسوريا مرة أخرى.

ومن أهم الظواهر الغريبة في تلك الفترة مناقشة قانون وزارة المعارف وقد تم طرح افكار الحد من تدريس اللغات الاجنبية بل إلغاء تدريسها تماما في المرحلة الابتدائية باعتبارها حشو لعقل التلميذ وتؤخر نموه العقلي !!! ولا طائل منها.

كان واضع مشروع القانون ساطع الحصري وايده اكرم الحوراني وسعيد الغزي ونجيب الريس ورئيف ملقي والدكتور حكمت الحكيم.

واعترض عليه بشكل خجول فخري البارودي بينما وقف ضد ذلك بحزم النائب الدكتور الياس عبيد.

وكان الرد المؤيد للفكرة انها ستدرس في المراحل الثانوية لمدة سنتين! وقد كان موقف رئيس الوزراء فارس الخوري دبلوماسيا فاقترح تأجيل النظر بالموضوع وعدم ايراد هذه المادة حاليا واورد فكرة ضرورة تعليم الفرنسية والانكليزية معا ولكنه لم يواجه مؤيدوا الفكرة بحزم وايده نعيم الانطاكي أيضا ولكن انتهى الامر باقرار المشروع المعادي لتعليم اللغة الفرنسية في سياسة تعليمية ألقت بظلالها على المستوى التعليمي السوري حتى وقتنا هذا.

مرفق بعض الصفحات من محاضر الجلسات.

وقد زار طه حسين سوريا في تلك الفترة ضمن فعاليات مهرجان ابو العلاء المعري وزار مجلس النواب السوري ايضا.في ظاهرة ملفتة للنظر بزيارة كبار الادباء لمجلس النواب حين زيارتهم لسوريا

إن الاطلاع على مجريات الاحداث عبر النقاشات الحامية التي كانت تجري ضمن مجلس النواب السوري يعطي فكرة واضحة موثقة عن حقيقة الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي السوري في تلك الفترة.

للراغبين بالحصول على المجلد الثالث من محاضر جلسات مجلس النواب السوري للعام 1944 بملف pdf مؤلف من 470 صفحة

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة