كلب صدقي اسماعيل ضحك كالبكاء

تقدم لكم دار الوثائق الرقمية التاريخية للتحميل المجاني كتاب غاية في الاهمية التوثيقية للفترة من 1949م وحتى نهاية الستينات في الحياة السياسية السورية.

كتب خليل صويلح عن هذا الكتاب وعن مؤلفه صدقي اسماعيل وعن جريدته الكلب التي اعيد نشرها في الكتاب قائلا: في أوائل خمسينيات القرن المنصرم، وبعد الانقلاب العسكري الذي قاده حسني الزعيم (1949) مباشرة، فكّر صدقي إسماعيل (1924- 1972) بإصدار جريدة فكاهية تُكتب بخط اليد وتوزّع سرّاً. أسماها «الكلب» على غرار «الكنار» الباريسية، و«التمساح» الموسكوفية، وكان يحرّرها بأكملها شعراً ساخراً، من بابها إلى محرابها، بمشاركة كوكبة من عصبة الساخرين، مثل عبد السلام العجيلي، وسليمان العيسى، ونجاة قصاب حسن، ومنصور الرحباني الذي انتسب إليها لاحقاً.

اليوم تستعيد رفيقة دربه عواطف الحفّار إسماعيل (الصورة) ذكرياتها عن تلك الجريدة في كتاب «كلب صدقي إسماعيل: ضحك كالبكاء» (الهيئة العامة السورية للكتاب)، وفيه تقلّب أوراق «الكلب» أو ما بقي منها بوصفها وثيقة نادرة عن حقبة سياسية شهدت وقائع مثيرة: «أصدرت الكلب حين رأيت أول ديكتاتورية تقام على رؤوسنا» يقول.

ويفسّر سبب اختياره هذا الاسم «لأن الكلب هو الكائن الوحيد الذي يحق له أن ينبح دون أن يلزمه أحد بشيء». 

أربع صفحات تحتشد بالفكاهة المرّة، بافتتاحية، ومقالات رأي، وإعلانات، وبريد للقرّاء، وحكمة العدد، يكتبها صاحبها ورئيس تحريرها في مقهاه المفضّل في حي «الجسر الأبيض»، ولاحقاً في مقاه أخرى مثل «الهافانا»، و«الكمال»، و«الروضة»، تبعاً لمزاجه وتقلّبات الطقس، وأحوال البلاد، معتمداً «الشعر الحلمنتيشي» (فصحى مطعّمة بالعامية) اسلوباً في مواجهة العسف السياسي والمعيشي، والسخرية من ممارسات العسكر الانقلابيين. 

وهو ما قاد بعض كتّابها إلى «بيت خالتهم». عدا الهجاء السياسي، والمعارك الأدبية، خصصت «الكلب» باباً للإعلانات: 

«اشتروا شفرة الحلاقة ناسيت/ فقد طالت اللحى في البلاد»،

و «شخص هنا أعلن عن نفسه/ فصار في مدة شهر وزير/ وأنت قلِّده وكن مثله/ تجد على بابك حالاً خفيراً». 

ورغم أن دمشق شهدت صحفاً ساخرة مثل «المضحك المبكي»، و«حط بالخرج»، إلا أن «الكلب» كانت أكثرها فرادة لجهة أسلوب الطرح وعمق المعالجة، وقد صمدت نحو 150 عدداً، جمعها لاحقاً الشاعر الراحل سليمان العيسى في مجلد ضخم، استثنى منه بعض الأعداد الساخنة، على الأرجح، لأسباب رقابية. 

لم يكن صدقي إسماعيل مجرد كاتب ساخر، فهو روائي ومفكر من طراز رفيع، حمل مأساته على كتفيه من لواء اسكندرون إلى دمشق. 

ولعل سخريته أتت من عمق المأساة التي عاشها بعيداً عن مسقط رأسه.

بقلم : المحامي علاء السيد
طباعة