جلاء المستعمر الفرنسي عن سوريا

13-01-2020 9682 مشاهدة

خاض الشعب السوري منذ دخول الجيوش الفرنسية الأراضي السورية العديد من الثورات المسلحة بدءاً من ثورة الشيخ صالح العلي، انتقالاً لثورة الزعيم إبراهيم هنانو، وصولاً إلى الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش و غيرها من ثورات عديدة ، ثم انتقل النضال في سبيل الاستقلال لمرحلة النضال السياسي  بعدما فشلت الحكومات المتعاونة مع الإنتداب الفرنسي في كسب التأييد الشعبي وتصاعد المد الوطني في مواجهة الإنتداب وأعوانه .

الإضراب الستيني

في عام 1935 م دعا الزعماء الوطنيون إلى إضرابٍ عامٍ في جميع الأراضي السورية طلباً لإعلان الاستقلال ،  وكان إضراباً رائعاً امتد ستين يوماً  .. الذي عاش تلك الأيام ، لابد أن يتذكر بإعجاب تلك المناظر الرائعة وقدور الطعام منتشرة في الشوارع يغذيها أهل الأحياء، كل حسب طاقته، باللحم والأرز .. كلما نقصت، ليأكل منها من عطله الإضراب عن كسب قوت يومه. أغلقت المدارس و المحلات التجارية و قاطع الأهالي كل ماله علاقة بالسلطة الفرنسية لدرجة أنهم امتنعوا عن استعمال الكهرباء الذي تنتجه الشركة الفرنسية .

الوفد الوطني يفاوض الحكومة الفرنسية

بعد عام واحد قرر المفوض السامي الفرنسي " ديمارتيل " مفاوضة الزعماء الوطنيين للشعب السوري وتم الإتفاق على إرسال وفد لباريس لكي يفاوض الحكومة الفرنسية لإعلان استقلال سوريا برئاسة هاشم الاتاسي وعضوية فارس الخوري وجميل مردم وسعد الله الجابري ومصطفى الشهابي وإدمون الحمصي ونعيم انطاكي وأحمد اللحام ، سافر الوفد بالقطار إلى فرنسا ماراً بالمدن السورية وودعه الشعب في حلب  بمظاهرات تأييد عارمة .

استغرق الأمر ستة أشهر من المفاوضات ليستطيع الوفد الإتفاق مع الحكومة الفرنسية برئاسة رئيس الوزراء الإشتراكي  ليون بلوم ، وتم التوقيع على معاهدة الاستقلال في 9 أيلول من عام 1936 .

تنص المعاهدة على الإعتراف باستقلال سوريا ولكن مع وجود بعض الشروط التي تربط سوريا بفرنسا ،اشترطت المعاهدة أن يصادق عليها مجلس النواب السوري ومجلس النواب الفرنسي معاً .
استقبل الوفد السوري العائد من فرنسا بالقطار واصلاً إلى حلب في طريقه إلى دمشق استقبال الأبطال بعدما اعتبر الأهالي أنه أنجز معاهدة الاستقلال .

معاهدة الاستقلال

قام مجلس النواب السوري مباشرة بالتصديق على المعاهدة وصدرت بقانون بتاريخ 27 /12/1936 و كشفت دولة الإنتداب عن حقيقة أهدافها من هذه المعاهدة عندما رفضت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الفرنسي التصديق على المعاهدة و لم تقم بعرضها على مجلس النواب الفرنسي .
تبين أن الهدف هو المماطلة وإعطاء جرعات مهدئة للشعب السوري لتهدئة مشاعره الوطنية ولم يكن الهدف من استقبال الوفد إعطاء سوريا استقلالها .

استمرت المماطلة الفرنسية بعرض المعاهدة على مجلس النواب الفرنسي، و استمرت مطالبة القوى الوطنية في سوريا بتطبيق هذه المعاهدة إلى أن بدأت بوادر الحرب العالمية الثانية بالظهور وتمت إقالة الحكومة الوطنية ، واستقال الرئيس هاشم الأتاسي مع بداية الحرب فشكلت دولة الإنتداب حكومة مديرين تابعة لها .

الحرب العالمية الثانية

بدأت الحرب العالمية و هاجمت ألمانيا النازية الأراضي الفرنسية لتسقط باريس في 15 حزيران في عام  1940،وقعت الحكومة الفرنسية هدنة مع ألمانيا ،وتولت الحكم حكومة فرنسية موالية للألمان .

أعلنت القوات الفرنسية الموجودة في سوريا أنها تابعة لهذه الحكومة التي سميت بحكومة فيشي وقرر الجنرال الفرنسي ديغول الهروب إلى بريطانيا وإعلان التمرد على حكومة فيشي وتزعم جيش تحرير و إعلان حكومة بإسم حكومة فرنسا الحرة .

أدرك ديغول أن منطقة الشرق الأوسط ( مصر- سوريا- لبنان ) سيكون لها شأن استراتيجي مهم في الحرب  ما بين الإنكليز و الألمان ،فاستغل الامر وألح على البريطانيين دعم قواته للدخول إلى سوريا ولبنان وطرد الفرنسيين التابعين لحكومة فيشي.

يقول ديغول في مذكراته :(كانت قواتي مؤلفة من حوالي ستة آلاف جندي بينما كانت القوات الفرنسية الموالية للألمان في سوريا ولبنان حوالي ثلاثين ألف جندي تساندهم قوات محلية سورية ولبنانية .طلبتُ الدعم من الإنكليز فوافقوا وأمدوني بالقوات ، كنت مقتنعاً أن انتدابنا على سوريا ولبنان لن يدوم وكنت أرغب في المصادقة على معاهدة عام 1936 باستقلال سوريا فور إنتهاء الحرب أدركت أن الساسة الإنكليز كانوا يريدون أن تحل دولتهم محل فرنسا في سوريا ولبنان) .

وصول الجنرال ديغول لدمشق

استطاعت قوات ديغول المدعومة من القوات الإنكليزية الانتصار على قوات فيشي ودخلت قواته دمشق في 21 حزيران من عام 1941 .قابل ديغول الزعماء الوطنيين السوريين ولكنه فوجيء بتمسكهم الشديد بوطنيتهم ومطالبتهم الفورية بإعلان استقلال سوريا ،وأدرك هؤلاء الزعماء أن الاستقلال الذي يعرضه ديغول هواستقلال صوري .

عاد الفرنسيون إلى الشيخ تاج الدين الحسني المعروف بتعاونه مع الفرنسيين ليعينوه رئيسا للجمهورية السورية في 12 أيلول عام 1941 .

كما عين ديغول الجنرال كاترو مندوباً فرنسياً عاماً ومفوضاً مطلق الصلاحية في بلاد المشرق فقام كاترو بتاريخ 27 أيلول عام 1941 بإصدار بيان أكد فيه اعتراف حكومة فرنسا الحرة بسوريا دولة مستقلة ذات سيادة ، ولكن بشرط أن تخضع حقوقها وامتيازاتها للقيود التي تفرضها حالة الحرب الحاضرة وأمن البلاد وسلامة الجيوش المتحالفة .أي أن هذا الاستقلال معلق إلى حين انتهاء الحرب العالمية الثانية .

المقاومة الوطنية تهاجم الفرنسيين

بدأ البريطانيون بتحريض السوريين على المطالبة بحقوقهم الأساسية وتحقيق استقلالهم الفعلي، و حصلت العديد من حوادث مهاجمة القوات الفرنسية من الأهالي بمباركة من القوات الانكليزية ففي حلب مثلا (كما روى لي الأستاذ محمد بن الحاج صالح هلال الذي حضر هذه الأحداث وهو من مواليد عام 1922 ) كان الانكليز يحضرون سيارات شاحنة محملة بالأسلحة الخفيفة من بنادق و مسدسات و ذخائر و يتركونها في الشارع متظاهرين بالإنشغال عنها و يغضون النظر عن قيام الأهالي بحمل تلك الأسلحة لتسليح أنفسهم .

 بدأ الأهالي بمهاجمة القوات الفرنسية علناً ففي شارع خان الحرير قام أحد المواطنين بضرب ضابط فرنسي بعصا غليظة و أرداه أرضاً ، كما قام مواطن آخر بركوب الترام في منطقة باب الجنين حاملاً (نصف جبسة ) و استطاع وضعها في وجه ضابط فرنسي كان سائراً على قدميه.

 و عندما طلب الضباط الفرنسيون حماية من الجنود الإنكليز قام أحد المواطنين بطعن ضابط فرنسي في منطقة العزيزية و كان مخفوراً بإثنين من الجنود الإنكليز اللذين شاهدا الهجوم و لم يكترثا بالضابط الفرنسي و استمرا بالسير قائلين بالانكليزية ( إلى جهنم ) .

 تزايدت الضغوط على الجنرال كاترو فأصدر بتاريخ 25 آذار عام 1943 قراراً بإجراء الإنتخابات الدستورية في البلاد لانتخاب مجلس نواب ورئيساً للجمهورية .

الكتلة الوطنية تشكل الحكومة 

فازت قوائم الكتلة الوطنية بالإنتخابات واجتمع مجلس النواب وانتخب فارس الخوري رئيساً لمجلس النواب كما انتُخب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية وعُهد إلى سعد الله الجابري بتشكيل الوزارة .
فور تشكيل الحكومة أعلن رئيس الوزراء سعد الله الجابري أن الإنتداب لم يعد سارياً وأن السلطات ينبغي أن تعود للحكومة السورية وحدها .

وبسبب ظروف الحرب رفض الفرنسيون والإنكليز تكوين جيش وطني سوري مستقل وتم الاتفاق على تشكيل هذا الجيش عند انتهاء الحرب على أن تكون هناك معاهدة خاصة بين سوريا وفرنسا بعد انتهاء الحرب يكون بموجبها لفرنسا مزايا خاصة على الأراضي السورية.. خرجت المظاهرات الوطنية في الشارع السوري تردد شعار ( مافي عيش بلا جيش ).

الفرنسيون يرضخون للمطالب الوطنية

بعد تزايد الضغوط الوطنية و الضغوط الانكليزية ..قبل الفرنسيون أن يسلموا المصالح المشتركة بين سوريا و لبنان مع حق التشريع والإدارة  للحكومة السورية ، و المصالح المشتركة هي : النقد والجمارك والإعاشة ( و هي الهيئة التي كانت تحتكر شراء القمح من الشعب السوري و توزع عليهم المواد التموينية بالبطاقات ) 

خرجت الجماهير للشوارع في فرحة عارمة ابتهاجا باستلام هذه الصلاحيات مما أعتُبر خطوة على طريق تحقيق الإستقلال الفعلي .

في 26/12/1943 أقيمت في حلب منصة أمام القلعة و سارت الجموع منطلقة من أمام مدرسة التجهيز ( المأمون ) في الجميلية باتجاه القلعة و السرايا الحكومية .

خلال عام 1944 سلمت إدارات الإنتداب المصالح الحكومية تدريجياً للإدارات السورية الناشئة ماعدا إدارة القطاعات العسكرية .

مع حلول عام 1945 بدت بوادر إنتهاء الحرب العالمية الثانية بخسارة ألمانيا ودول المحور الحرب .
وبدأ السوريون يطالبون بتشكيل جيشهم الوطني وبخروج الجنود الفرنسيين من سوريا . ولكن سلطات الإنتداب أصرت على إبقاء قوات خاصة تابعة لها على الأراضي السورية .

مظاهرات حرق الثقافة الفرنسية

قامت الحكومة السورية باعتماد ساطع الحصري مستشارا لتغيير نظام التعليم الفرنسي المعتمد في سوريا حينها و الذي كان يتقدم فيه الطالب الى ما يسمى شهادة البكالوريا الاولى مباشرة بعد الصف العاشر و اذا حصل على شهادة البكالوريا الاولى يحق له التقدم لشهادة البكالوريا الثانية قرر ساطع الحصري دمج فحصي البكالوريا الأولى و الثانية في فحص واحد عام متخلياً عن نظام التعليم الفرنسي  مما اعتبرته  سلطة الإنتداب محاولة معادية لدورها في نشر الثقافة الفرنسية .

لاقى هذا النظام التعليمي الجديد قبولاً كبيراً بين الطلاب لمجرد أنه مخالف للنظم الفرنسية و تطور الوضع إلى مظاهرات طلابية شعبية ضد فرنسا في  بداية عام 1945 . 

روى لي القاضي المتقاعد سعد زغلول الكواكبي ( من مواليد عام 1924 ) الذي حضر و صور خروج الطلاب في حلب في مظاهرات عارمة  .

تجمعوا في الساحة الواقعة على تقاطع شارع القوتلي مع شارع بارون أمام سينما أمبير ( سميت سينما فؤاد لاحقاً ) و شكلوا نصباً رمزيا للثقافة الفرنسية و قاموا بإحراقه و رموا الكتب الفرنسية فيه معلنين مقاطعتهم للثقافة الفرنسية .

تزعم الطلبة عبد الفتاح زلط الذي خطب فيهم من على شرفة السينما المطلة على الساحة .

رد الفرنسيون باستعراض قواتهم العسكرية ملوحين باللجوء إليها وتدخل البريطانيون ناصحين الأطراف بالإعتدال .

حاول المندوب السامي الفرنسي فرض معاهدة جديدة على الحكومة السورية تتعلق بالحفاظ على الرسالة الثقافية الفرنسية والاحتفاظ بالمواقع العسكرية في البلاد،  فرفض السوريون هذه المعاهدة رفضاً باتاً .

في شباط عام 1945 قرر النواب السوريون شراء السلاح حتى ولو عن طريق التهريب، وإنشاء نواة للجيش وتسليحه ، ومنح الحكومة السورية صلاحية دعوة ضباط الجيش السوريين الموجودين في جيش الشرق التابع للفرنسيين للإلتحاق بالجيش الوطني السوري.

انتهاء الحرب العالمية الثانية و محاولة الفرنسيين إنزال المزيد من القوات 

ربيع عام 1945 انتهت الحرب العالمية الثانية وسارعت فرنسا إلى إرسال بعض القوات إلى سوريا قوامها حوالي ألف و خمسمائة جندي نزلوا في بيروت في السادس من أيار عام 1945 لدعم القوات الفرنسية الضئيلة التي كان عددها لايزيد عن 6000 ألاف جندي فرنسي وسنغالي ( على اعتبار أن السنغال كانت إحدى المستعمرات الفرنسية ) .

كان الهدف من الإنزال الفرنسي قمع الحركة الوطنية التي بدأت بالتصاعد  .

رفضت الحكومة السورية إنزال الجنود الفرنسين واحتجت بقوة واعتبرت أن ذلك العمل يسيء إلى استقلال سوريا . وسارع رئيس الوزراء البريطاني تشرشل بتوجيه رسالة إلى ديغول طالباً منه عدم إرسال هذه القوات طالباً تسليم القوات المحلية السورية (جيش الشرق) للحكومة الوطنية .

أعلمت فرنسا الحكومة السورية أنها مستعدة لتسليم هذه القوات بشرط إعطائها قواعد جوية مناسبة والمحافظة على حقوقها التاريخية وأن يكون الجيش الوطني السوري تحت قيادة عليا فرنسية .

رفض السوريون الشروط الفرنسية وأعلن مجلس النواب فتح باب التطوع للدفاع عن الوطن، فتدافع الناس للتطوع وفي مقدمتهم عدد من النواب و طلاب الجامعة و الثانويات  .

مجلس الأمن يصدر قراراً باستقلال سوريا
 
في 8 أيار 1945 طالب الوفد السوري الذي يرأسه فارس الخوري مجلس الأمن باعلان استقلال سوريا و صدر القرار بإعلان الاستقلال . و كان رد الفرنسيون أنهم مستعدون للاعتراف بقرار مجلس الأمن بشرط البدء بمفاوضات لعقد معاهدة تمنح امتيازات خاصة لفرنسا ، رفض مجلس النواب هذا الطلب ووجهت الحكومة الوطنية رجالها لتعبئة الأهالي و تجهيزهم بالسلاح .

روى لي الاستاذ محمد السيد ( من مواليد عام 1924 ) الأحداث التالية و قد شاهد و شارك فيها  : أن قائمقام منطقة جسر الشغور و هو الأمير عبد الله التامر من أهالي السلمية قام بالطواف على قرى منطقة جسر الشغور يحضهم على حمل السلاح استعداداً للتحرير في 15 أيار 1945 .

و استطاع إقناع قسم من حامية كفرتخاريم ( من الضباط السوريين ) بالانسحاب من جيش الشرق الذي يقوده الفرنسيون و الانضمام للحكومة الوطنية .

ما لبثت أن بدأت المناوشات بين الأهالي و القوات الخاضعة للجيش الفرنسي في تلك المنطقة و نشبت معركة عنيفة في المنعطفات المعروفة بين جسر الشغور و اللاذقية و تمكن المتطوعون و رجال الدرك البواسل من تدمير أربع شاحنات عسكرية و قتل أربعة عشر جندياً منضما للفرنسيين .

حوصرت حامية جسر الشغور الفرنسية ، و استطاع الأمير عبد الله التامر الذي كان مشهوراً بدقته في التصويب في إصابة قائد الحامية و نجح المجاهدون في إصابة المستشار الفرنسي و تدخلت القوات الانكليزية لإخراج الجنود الفرنسيين المحاصرين .

ثم توجه المجاهدون الى إدلب و استسلمت حاميتها فوراً بعدما اقتحم الأهالي السرايا الحكومية فيها و استطاع شاب من آل نعمة قتل الضابط الفرنسي الموجود في السرايا برميه من شرفتها حيث لقي حتفه .

خلال هذه الأحداث تزايد عدد الضباط و الجنود السوريين المنسحبين من جيش الشرق و المنضمين لقوات الحكومة الوطنية ففي جسر الشغور التحق بالثوار المجاهدين الضابطان محمد دياب من أهلي السلمية الذي تولى منصب مدير شرطة حلب لاحقاً و فؤاد أسود من أهالي حماه.

أما في حلب فقد قام أربعة عشر ضابطاً سورياً من ضباط جيش الشرق الذي يقوده الفرنسيون بالقفز من أعلى سور قشلة الترك ( ثكنة هنانو حالياً ) من ارتفاع يزيد على اثنى عشر متراً للالتحاق بالوطنيين معرضين نفسهم لخطر إطلاق النار عليهم من الفرنسيين لفرارهم من الخدمة لديهم ، و كسرت رجل أحدهم بعد تلك القفزة ، و كان منهم المرحوم اللواء نعيم الوفائي الذي روى تلك الحادثة .

كما اجتاز الضابط بهيج كلاس من أهالي حماه ( ابن عم طبيب القلبية الشهير جوزيف كلاس ) سور الثكنة الحمراء في حلب و التحق بالوطنيين ،تولى هذا الضابط منصب نائب رئيس أركان الجيش السوري لاحقاً.

روى لي العميد عادل ميري ( من مواليد عام 1921) و كان ملازما في الدرك حينها أنه تكلف مع زملائه بجمع الضباط و الجنود السوريين المنسحبين من جيش الشرق الفرنسي و حمايتهم في مناطق عين العرب و الأرياف الشمالية لأنهم كانوا معرضين للمطاردة من القوات الفرنسية لاعدامهم بسبب هروبهم من الجيش ، و معرضين في ذات الوقت للمهاجمة من قبل الأهالي لأنهم كانوا يهاجموا كل من يرتدي زي الجيش الفرنسي .

الفرنسيون يقررون إبادة المقاومة الوطنية 

رد الفرنسيون على مقررات مجلس النواب و على هجمات المقاومة  بأن أصدر الجنرال أوليفا روجيه قائد الجيش الفرنسي في المشرق  بلاغاً يطلب فيه من جيش الشرق إبادة جميع العناصر المطالبة بإخراج فرنسا، واحتلال دوائر الحكومة السورية، وتجريد الشعب السوري من الأسلحة خلال 48 ساعة .

فوراً طلب القائد العام للجيش البريطاني التاسع المتواجد في مصر من الجنرال الفرنسي روجيه تجنب الأعمال الاستفزازية التي تقوم بها القوات الفرنسية ،كما طالب السفير البريطاني في باريس تهدئة الوضع ، وكان جواب ديغول الرفض .

 يفسر ديغول هذا الرفض في مذكراته قائلاً  : ( كنت مقتنعاً بتآمر البريطانيين مع السوريين ولن نرحل عن سوريا إلا إذا كنا مجبرين ونحن مستعدون لمقاتلة السوريين والإنكليز معاً ).

الفرنسيون يقصفون البرلمان و الأحياء الدمشقية

كانت الخطة الفرنسية هي ضرب مجلس النواب السوري وقتل من فيه من وزراء ونواب لإحداث فراغ دستوري يسمح للفرنسيين أن يعينوا وزراء ونواب مواليين لهم، وضرب قوات الشرطة والدرك السوريين الذين بدأو بتشكيل نواة جيش وطني سوري .

روى المرحوم الشرطي علاء الدين الشيشكلي في رواية منفردة أن المقاومة الوطنية في حماه أردت ضابطاً فرنسياً و عثرت في جيبه على أوامر و تفاصيل خطة  هجوم على مجلس النواب أثناء إنعقاد جلسة المجلس في يوم 29 آيار .

 سارعت المقاومة إلى إبلاغ رئيس مجلس النواب السوري في دمشق بهذه الخطة و لم أستطع العثور على مرجع تاريخي موثق يحدد الطريقة الفعلية التي عرف بواسطتها رئيس مجلس النواب سعد الله الجابري بالنوايا الفرنسية .

و لكنه قرر فجأة إلغاء جلسة المجلس في الساعة الخامسة مساءًا و قام بإخلاء مبنى مجلس النواب من النواب والوزراء ، و بقي مبنى المجلس في حراسة  قوة من الدرك مؤلفة من ثلاثين دركياً .  كان الدرك مسلحين بالأسلحة الفردية الخفيفة .

لم يتوقع أحد أن يهاجم الفرنسيون البرلمان بالأسلحة إعتقاداً منهم بتقيد الفرنسيين بالحصانة البرلمانية التي يتمتع بها هذا المبنى و من فيه .

مذبحة البرلمان السوري 

  وفي الساعة السادسة وخمسين دقيقة مساءً عند إنزال العلم الفرنسي طالب الجنود الفرنسيون المتواجدون في دار المندوبية التي كانت تقع أمام مبنى مجلس النواب بأن يقوم الدرك السوري بتحية العلم الفرنسي أثناء إنزاله من على مبنى دار المندوبية.

في ظل تصاعد المشاعر الوطنية التي كانت تعم البلاد حينذاك ، رفض الدرك السوريون تحية العلم الفرنسي ففوجئوا بالقذائف المدفعية و الطلقات الرشاشة تنهال على مبنى البرلمان ، و المدرعات الفرنسية تحيط به ،إقتحم الجنود الفرنسيون و السنغاليون مبنى البرلمان بعدما قاتل الدرك السوريون  حتى نفذت ذخيرتهم الخفيفة وقاموا بقتل جميع من فيه ، نجا اثنان فقط من الدرك بعد إصابتهم بجراح جسيمة الأول هو ابراهيم الشلاح من دمشق و الثاني هو الضابط محمد سمونة من أهالي حلب .

روى لي العميد عادل ميري زميله في قوات الدرك حينها، أنه التقى محمد سمونة بعدها و روى له وقائع المجزرة و أنه قاتل حتى نفذت ذخيرته فصعد إلى سطح المبنى و اختبأ في برميل فارغ فلم يلحظه المهاجمون و لم يصب بجراح ، وروى العديد من البطولات التي قام بها الدرك .

منها دفاع الرقيب برهان باش إمام المستميت حتى الموت عندما تكاثر عليه المهاجمون السنغال و نفذت ذخيرته فقاموا بضرب عنقه بساطور من الخلف فطار الرأس و بقي الجسد واقفاً حتى سقط ، و كان الشهيد معروفاً بضخامة جسمه و فتوته .
  
كما انهالت القذائف المدفعية و قنابل الطائرات  على أحياء دمشق مسببة الخراب والدمار للأحياء السكنية و المدارس و المشافي . 

تولى قيادة الدرك الزعيم ( و هي رتبة تعادل رتبة العقيد الحالية ) هرانت بك مالويان المشهور بوطنيته و جرأته و رباطة جأشه ، و كانت قوات الدرك هي القوات المسلحة الوحيدة التي تملكها الحكومة الوطنية ، استطاع هذا القائد الحفاظ على معنويات رجال الدرك السوري و قيادتهم للصمود في وجه هذا العدوان الفرنسي الشرس ، فقاوم الدرك و لم يلينوا أمام هذا القصف الفرنسي من قوات تفوقهم عدداً و عدة .

شارك الموضوع مع اصدقائك !!
لمتابعة أحدث منشورات دار الوثائق الرقمية التاريخية على شبكات التواصل الاجتماعي :

مواضيع اخرى ضمن  مدونة المحامي علاء السيد

02-10-2022 4051 مشاهدة
حقيقة قصة السلطان عبد الحميد مع اليهودي قراصوه التي لا أساس لها

عندما بدأت الحملة الممنهجة لتبييض صورة السلطان عبد الحميد عمدت بعض الكتابات العربية للترويج لقصة اليهود الدونمة ومحاولتهم شراء أجزاء من فلسطين ورفض السلطان عبد الحميد لذلك بطريقة بطولية مما دعا هؤلاء لخلعه  المزيد

02-10-2022 3329 مشاهدة
السلطان عبد الحميد والرقابة على الصحف وتقييد الحريات

جاء في الفصل الأول المعنون : الشخصية الحميدية  من كتاب "أوهام الذات المقدسة السلطان عبد الحميد لمؤلفه المحامي علاء السيد وذلك تحت تحت عنوان : رقابة المطبوعات الحيوية  المزيد

13-08-2022 4244 مشاهدة
مصادر ومراجع كتاب "أوهام الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" لمؤلفه المحامي علاء السيد

اعتمد كتاب"أوهام الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" على حوالى 78 مصدرا ومرجعا و على ما نشر في حوالى 17 جريدة ومجلة من أخبار ومقالات متعلقة بما ورد في الكتاب  المزيد

13-08-2022 3749 مشاهدة
الفهرس الكامل لكتاب "أوهام الذات المقدسة، السلطان عبد الحميد الثاني" لمؤلفه المحامي علاء السيد

الفهرس  6 , مقدمة  9 , تمهيد  11 , الفصل الأول: الشخصية الحميدية  29 , طفولة سلطان  31 , شروط مدحت  33  المزيد

13-08-2022 3272 مشاهدة
السلطان عبد الحميد وحقيقة رفضه بيع فلسطين لهرتزل زعيم الصهاينة وعرضه حلب بديلا عنها

أفرد كتاب "الذات المقدسة ، السلطان عبد الحميد الثاني" فصلاً كاملاً بعنوان : "السلطان عبد الحميد وقضية فلسطين" في 56 صفحة فيها 116 اشارة توثيقية مرجعية  المزيد

13-08-2022 3990 مشاهدة
أراء المؤرخين بشخصية السلطان عبد الحميد الثاني .المحامي علاء السيد

لإيفاء دراسة شخصية عبد الحميد حقها، يجب أن نعي تماماً أن هذه الشخصية تطورت وتعقدت خلال ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً من الحكم،  المزيد

13-08-2022 2289 مشاهدة
تعاون السلطان عبد الحميد مع اليهود لاستيطان مدينة القدس. المحامي علاء السيد

إن الاستيطان اليهودي في فلسطين زمن الدولة العثمانية حتى نهاية عهد السلطان عبد الحميد وقبل عهد " الاتحاد والترقي" بُني على طريقتين  المزيد

02-08-2022 2890 مشاهدة
مقالة نقد كتاب أوهام الذات المقدسة بعنوان : السلطان عبدالحميد الثاني، بين الكتابة الصحافية وغياب منهجية البحث العلمي

مقالة نقد كتاب أوهام الذات المقدسة بعنوان : السلطان عبدالحميد الثاني، بين الكتابة الصحافية وغياب منهجية البحث العلمي. والرد على المقال .  المزيد

أكثر الكتب مشاهدة

مكتبة الفيديو