القدود الدينية ؛ بحث تاريخي وموسيقي في القدود الحلبية - قدري دلال

26-08-2020    7569 مشاهدة
لتحميل الكتاب : انقر هنا
حجم الملف : 12.28 MB

محمد قدري دلال باحث موسيقي حلبي ، فنان معروف على صعيد الموسيقى العربية الأصيلة ومن أمهر عازفي العود في العالم

كتبت الأستاذة دعد السنجقدار  عن الكتاب فقالت :

نحن أمام كتاب ذي طابع خاص ، ليس من اليسير مصادفة مثيل له، وإن لم يكن فريدا في بابه فإنه بلا شك متميز فيه .

"القدود الدينية ـ بحث تاريخي وموسيقي في القدود الحلبية" كتاب علمي موثق في هذا الفن الذي يتعشقه الحلبيون وتتميز به مدينتهم، جعله الباحث الدكتور محمد قدري دلال في سِفر من 481 صفحة من القطع الكبير (A4) بتظام (pdf)، وضمنه مجموعة من الفهارس الموضوعية والتعريفية أضفت على الكتاب ثقلا خاصا، يعطي القارئ شعوراً أولياً باحترام الباحث له وتيسير كل سبل البحث في الكتاب أمامه .

حينما بدأت الإطلاع على هذا السِفر وجدته من صفحته الأولى بل من غلافه قد جذبني إلى حلب (المنكوبة)، المدينة العريقة التي تضرب جذورها عميقا في التاريخ لتكون واحدة من أقدم مدن العالم التي استمر بها العمران دون انقطاع إلى يومنا هذا، واستمرت عامرة بالحياة ومركزا من مراكز التأثير والإبداع.

ويزين الكتاب بصور لحلب وحاراتها وجامعها الأموي ومئذنته التاريخية، وصور للزاوية الهلالية في حي الجلوم  وجامع ومدرسة العثمانية (الرضائية) في حي الفرافرة، وبصورٍ لشعراء ومنشدي القدود الحلبيين، ويكاد يسمعك الألحان تصدح من بين السطور ويطوف بك في حِلَقِ الذكر، ويتجول بك بإسلوب أدبي شائق متميز، فهو بتمكنه من مادته البحثية وتجسيدها نصا وروحا يدفع القارئ إلى أن يراجع تقييمه لهذا التراث ليعيد له قيمته الحقيقة وغناه وأصالته وحلب أثيرة لديً، فإن ما ُيكتب عنها ومن يكتب عنها له في عقلي ووجداني وقعا خاصا، كيف لا وهي مدينتي التي يسكنها التاريخ، وتمثل كل الذكريات الجميلة في مخيلتي وكل القيم والأفكار التي صاغتني وعملت على تكويني، وقد عرف أهلها عبر التاريخ كله بالكرم والأخلاق وحسن الضيافة، وبالصداقة الصدوقة وبالبذل للغريب قبل القريب، كما عرفوا وعرفت مدينتهم بالحسن والجمال،  وحب الموسيقا، والنغم الجميل، وقيل فيها الكثير من الشعر مدحا ووصفا من هذا ما قاله سعد الدين بن محي الدين بن عربي:

حلب تفوق بمائها وجمالها                         وبنائها ، والزُهر من أبنائها 
بلد يظل به الغريب وكأنه                           في أهله، فاسمع جميل ثنائها 

مكانة حلب الفنية

يبدأ الباحث بشرح وافٍ عن حلب ومكانتها الموسيقية، فهي عاصمة الموسيقا الأصيلة حتى يومنا هذا، تستأثر بكل ما هو جميل من نص شعري ولحن تضمه إلى مخزونها وتحفظه في صدور أبنائها.

ولعل الشعراء في مقدمة من أدرك هذه المكانة الخاصة لحلب فخلدوها في أشعارهم وهذا الأخطل الصغير " بشارة الخوري " يقول :

نَفَيتَ عنك العلا والظرف والأدبا              وإن خُلقتَ لها إن لم تزر حلبا
لو ألف المجد سِفراً عن مفاخره                لراح يكتب في عنوانه حلبا

وللذوق الرفيع الذي تتميز به حلب، ولتراثها الغنائي الثر صارت محطة لاختبار وامتحان قدرات المحترفين من موسيقيين ومطربين،  وانتقل تراثها هذا من جيل إلى جيل مشافهة، ولا تزال إلى يومنا هذا طرق النقل والحفظ تتم عن طريق التلقي المباشر، وقد اعتمد الباحث هذه الطريقة في جمع الكثير مما قدمه لنا في هذا الكتاب من تواشيح وقدود.

الموشح الديني

وللتراث الغنائي الحلبي أشكال كثيرة منها الموشح الذي تعتز به حلب " وتعتبره من أرقى أنواع الغناء وتمتلك رصيدا كبيرا منه "

والموشح الديني "التوشيح " وهو من بعض ما يُنشد في مجالس الذكر ، ومحفوظ المنشدين منه كثير سواء الحديث أو القديم ، ويضم التوشيح ابتهالات دينية ومديح وتوسل بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .

سبحان من ذكـره عِـزٌ لذاكـرهِ               وهو الجليس لــه  الله  الله 
مجالس الذكر روضات الجنان فمن        يمرر بها راتعا فالخلد مأواه
وإذا اجتمعنا فذكر الله بهجتنا               وأُنسنا أينمــا كنـا بذكـراه

وهذا ابتهال مؤثر وجميل ، للمنشد محمد صبحي مدلل ، شاعره مجهول .

إلهي يا سميع ويا بصير                        ويا رحمن ويا نعم النصير
إليك شكوت تقصيري وضعفي                وأرهقني على نفسي المصير
وجئتك تائبا من غير بأس                     لعلمي أنك الرب الغفور
فخذ بيدي وكن يا رب عوني                 ومن نفسي أجرني يا مجير
ووفقني لما يرضيك واغفر                  ذنوبي يا عليم يا خبير يا بصير

وإضافة إلى التوشيح  هناك القصيدة، وهي إما أن تنشد أو تغنى ارتجالا "وهي من أصعب أنواع الغناء ،وتكون  ذات ألفاظ عذبة رقيقة ، ومعاني مؤثرة فقد تغنى قصيدة واحدة في موقعين مختلفين ـ حفلة أو حلقة ذكر أو حصة مولد ـ وكل يأخذ المعنى الذي يريد في "ليلى "فهي إما حسناء ، أو هي الكعبة ، أو الأماكن المقدسة"

وهذه أبيات توسل وابتهال لعبد الغني النابلسي :


ما للقلوب سوى ذاك الحمى طلب       ولا العيون في غيره أَرب
يا كعبة يستجير الطائفون بها           نور به تظهر الأشياء وتحتجب
محمد خير كل العالمين لقد             سمت على الخلق من أفضاله سحب

وهذا الشاعر عمر بن الفارض يشدو بهذه الأبيات والصور الرائعة

أبرق بدا من جانب الغور لامع           أم انقشعت عن وجه ليلى البراقع 
أنشر خزامى فاح أم عرف حاجر        بأم القرى أم عطر عزة ضائع 
ألا ليت شعري هل سليمى مقيمة         بوادي الحمى حيث المتيم والع 

القد 

ويخلص الباحث إلى القدود ـ وهي مقصد بحثه ـ ويتوسع في دراستها وتاريخها القديم الذي يعتقد أنه يرجع إلى القرن الثالث أو الرابع الميلادي ، وأنه ولد مع رغبة رعاة الكنيسة في ربط رعيتهم بقداس الأحد .

"والقد في اللغة : القامة ، والقطع والمقدار ، واصطلاحا : أن تضع شيئا على مقدار شيء آخر"، "والقد هو لون من ألوان الغناء يشبه الموشح إلا أن الموشح أرقى وأعلى صياغة ، وأشد تعقيدا من الناحية الموسيقية "، " ويصاغ القد على عدة أشكال ، أما من ناحية النص الشعري فهو والموشح صنوان ", وهو نمط انفردت به حلب فسمي باسمها " القدود الحلبية "

ومن خصائص القدود السهولةُ فهي في أصلها أغان شعبية سهلة اللحن تصلح لجميع المناسبات والاحتفالات .

أما عن الصلة  بين القد الديني وغير الديني، فإن الباحث يثبت العلاقة التبادلية بين الوجهين إذ يمكن أن يكون لدينا نصاً شعبياً غير ديني يصاغ عليه قد ديني، والعكس صحيح، "والحلبيون إن أحبوا نصا غنوه بأكثر من لحن ، سواء ابتكروا له ألحانا جديدة ، أم أنشدوه بلحن مسبق التأليف".

أعلام من شعراء الإنشاد الديني

وعرض الباحث لأهم شعراء الإنشاد الديني من توشيح إلى قد " الذين حفظت لنا بعض الكتب نصوصهم، وقدم لمحة عن الأغنية الشعبية الأصلية الأم لكل قد، أو النص الديني الذي وضع على أعاريضه نص ديني آخر معتمدين أيضا على المنتظمين الدائمين في حلقات الذكر ، أو شيوخ الطرق الصوفية والمنشدين المحيطين علما بأسماء شعراء هذه النصوص"

ويتقدم هؤلاء الشعراء الشيخ "عبد الغني النابلسي الدمشقي الذي كانت وفاته عام  1143ه ـ 1720م وهو ذو أهمية كبيرة كونه شاعرا متصوفا وملحنا عبقريا ، عالج كافة أشكال الإنشاد الديني،  حتى أن كثيرا من الحان المسجد الأموي بدمشق ينسب إليه، ومنها لحن الأذان الجماعي ، وأذان الإمساك المشهور والمسموع حتى يومنا هذا "، 

يليه بالذكر والإشادة اثنين هامين من الشعراء الذين كرسوا شعرهم لهذا الباب، وهما الشيخ عمر اليافي الذي توفي عام 1233ه ـ 1817 م ، والشيخ يوسف القرلقلي وكانت وفاته عام 1251ه ـ 1835 م وكلاهما إما وضعا النصوص بداية لتلحن، أو صاغوها نسجا على منوال نصوص سابقة "، والشيخ الحمصي أمين الجندي والشيخ أبو الهدى الصيادي المتوفى عام 1327ه ـ 1909 م ، ومحمد النشار المتوفى 1328 ـ 1910 م وهما شاعران متمكنان، وتنسب زاوية الصيادي في حلب للشيخ أبو الهدى وهو علم في الدين والسياسة وله مؤلفات عديدة في الفقه منها " ضوء الشمس في قوله صلى الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس " وهو أيضا ملحن، وذكر الباحث غير هذه الأسماء الأعلام الكثير إلى أن يصل إلى الشيخ عيسى البيانوني  الموسد في البقيع  عام 1363ه / 1943 م والذي له شعر كثير في الزهد ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أجمل ما نظم :

هِم بالحبيب محمد وذويه         إن الهيام بحبه يرضيه

إن مات جسمك فالهوى يحييه    جسد تمكن حُبٌ أحمد فيه

تالله إن الأرض لا تبليه 

يا رب عبدك قد أساء فعاله        وبذُلِه قد مد كف سؤاله

واتي حبيبك طامعا بنواله         عبدٌ توسل بالنبي وآله

فبحقهم يا رب لا تخزيه

وهذا السيد محمد مهدي بهاء الدين الصيادي المشهور بالرواس ينشد  من مقام الحجاز "

عليك صلى الله        يا خير خلق الله
والآل والأصحاب   والقوم أهل الله
يا كعبة الأسرار     ومنبع الأنوار
بالعزم يا مختار      أيدت دين الله
ندعوك بالسبطين   لكشف هذا الضيم
يا ملجأ الكونين    بالخطب بعد الله

وفي مسيرة الباحث في القدود وتاريخها يكشف لنا عن قصائد ونصوص لشاعرات من المتصوفة تعكس روح التصوف التي كانت تلف المجتمع من غير تفرقة بين رجال ونساء منهن عائشة الباعونية الدمشقية المتوفية 921ه / 1515م ، وكذلك أم محمد التلاوية المتوفية عام 1337ه / 1917م، وهذا نص لأم محمد التلاوية من مقام الحجاز ملحنه مجهول ينشد في المناسبات الدينية المختلفة وفيه تقول : 

يا ساكنين المنحنى       ظهري من الشوق انحنى
هلا مننتم باللقا           يوما لمأسور الغرام
يا واقفين على الصفا      قلبي بكم نال الصفا
منوا بحق المصطفى     للصب في دار السلام

منهج التدوين والمعالجة الأدبية والموسيقية للقد

وعلى مساحة تقرب من أربعماية صفحة ـ وهي قلب البحث وأساسه ـ  قدم الباحث وصنف القدود التي وصل إليها بمختلف طرق البحث أبجديا ليسهل الرجوع إليها مع تحليل وشرح لجميع أشكال وتراكيب القد، ونبه إلى أنه تم تدوين الألحان في الكتاب " بطريقتين : الأولى من اليسار إلى اليمين جريا على ما اتبع في التدوين العالمي للمؤلفات الموسيقية، والثانية من اليمين إلى اليسار كي يسهل تتبع سير النص فوق العلامات الموسيقية " ولا يساء إلى النص العربي.

وامتاز الكتاب باستعراض للقدود مع شرح مستفيض وتحليل علمي وتبيان للعلاقة بين القد الديني والتراث الشعبي الغنائي أو القد الدنيوي، والقصيدة ، وكلها من تراث حلب الغنائي، كما قدم في كتابه تدوينا لألحان كثيرة من القدود والموشحات التي جاء على ذكرها فأعطى بعمله هذا تميزا  خاصا .

وقدم في هذا الباب مائة وتسعة وعشرين قدا دينيا ودنيويا عارضا لنصوصها وبعضا من سيرتها ومبينا العلاقة بينها، وكيف صاغ مطربون ومغنون معاصرون أغانيهم وألحانهم على منوال هذا القد أو ذاك، ومسطرا الحان ومقامات هذه القدود ، وإيقاعاتها،

الكتاب يثير في النفس الكثير من الأحاسيس ، ويعيد الذاكرة إلى مشاهد ورؤى كانت في سيرتي الخاصة حيًة ومؤثرة، أحس فيها بالدفء والحبور وتعطيني في كل حين دفقا من مشاعر السكينة والرضا، فقد أعادني الكتاب بالذاكرة بعيدا إلى والدي الحبيب الأثير لدي ـ رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته ـ  وأنا استقبله في بيتنا بحي الإسماعيلية في حلب عائدا من حِلق الذكر سعيدا مبتسما مشرقا بالأنوار المحمدية، يرجع عمامته قليلا إلى الوراء  وهو يصعد الدرج  لتظهر غُرته الجميلة على جبينه الوضَاء.

ولقد رأيته في المنام شابا مشرقا بتلك العمامة وعليه حلة قشيبة، وأنا أسعى إليه فرحة به أقبل ظاهر كفيه وباطنهما، وهو يخبرني أن عليه أن يذهب مسرعا إلى حلقة ذكر يوم الجمعة. 

ختام القول

 في هذا الكتاب علم وفن، معادلات رياضية وأصول دقيقة، وتذوق واستشعار للجمال الخالد في هذا الفن،  وما أقدمه هنا ليس عرضا للكتاب ولا نقدا له، فهذا له أهله وصُنًاعه ولا أدعي أني منهم، ولكني أقدم هنا حالة من حالات تلمس جوانب الفن والذوق في هذا العمل، وأحاول أن أسلط بعض الضوء على جوانب تاريخية وراهنة مما عرضه الباحث، وقد يشفع لي اختياري هذه الزاوية في عرض الموضوع ما يمكن أن يعتبر تجاوزا حين عرضت بعض ما جاء فيه وأغفلت البعض .

وإذا كان لي أن أختم تذوقي هذا بشيء فأني أشير إلى أن هذا التراث العريض من القدود والتواشيح الذي أشار إليها الباحث في كتابه، وجمع مادته عنها من مصادر عديدة من أهمها التلقي المباشر والشفاهي تبدو في مسيس الحاجة للتوثيق، وهذا عمل له احتياجاته التخصصية والمادية والفنية، لكن لأنه يمس التراث والذاكرة الشعبية والوجدان الروحي للمجتمع، فإن البذل فيه يعتبر واحدة من الواجبات، وواحدة من ضروريات النهوض بأي أمة وفي أي مرحلة . 

لتحميل الكتاب : انقر هنا
حجم الملف : 12.28 MB
شارك الموضوع مع اصدقائك !!
لمتابعة أحدث منشورات دار الوثائق الرقمية التاريخية على شبكات التواصل الاجتماعي :

مواضيع اخرى ضمن  التحميل المجاني

كتب محمد تركي الربيعو عن كتاب «حوادث حلب اليومية: المرتاد في تاريخ حلب وبغداد». فقال : هي حوادث دوّنها التاجر المسيحي الحلبي يوسف بن ديمتري بن جرجس الخوري عبود الحلبي، وشملت الفترة الممتدة بين عامي 1771 ـ 1805. وحققها المؤرخ السوري فواز محمود الفواز.
31-10-2022    5994 مشاهدة
صدر هذا الكتاب الهام عن جامعة نورث كارولينا في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1963 وهو للباحث "هربرت لوثر بودمان "  باللغة الانكليزية و لم تصدر له ترجمة عربية
30-10-2022    5652 مشاهدة
قام د. موفق بني المرجة  بنشر كتابه "صحوة الرجل المريض أو السلطان عبد الحميد الثاني والخلافة الإسلامية" عام 1984م بالكويت ومؤلف الكتاب موفق بني المرجة
21-03-2022    6460 مشاهدة
صدر هذا الكتاب " السلطان عبد الحميد وفكرة الجامعة الاسلامية، لمؤلفه الدكتور محمد علي الصلابي، عن المكتبة العصرية ببيروت.
21-03-2022    5680 مشاهدة
صدرت مقالة "سبب خلع السلطان عبد الحميد" لكاتبها سعيد الأفغاني في مجلة العربي الكويتية عدد رقم 169، الصادر في شهر ديسمبر 1972
21-03-2022    6227 مشاهدة
صدر هذا الكتاب "الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام" لمؤلفه  عبد الله التل  في طبعته الأولى بعمان الأردن عام 1971م
21-03-2022    6453 مشاهدة

أكثر الكتب مشاهدة

مكتبة الفيديو