صناعة وتجارة الأجبان في حلب تاريخياً

مكتبة الفيديو    6226  مشاهدة
لمشاهدة صناعة وتجارة الأجبان في حلب تاريخياً على اليوتيوب , انقر هنا

التاريخ من نافذة مطبخي

لا شك أن النوعين الأهم للجبن في حلب هما: الجبنة المسنرة والجبنة المشللة.

لطالما تساءلت لماذا لم يخترع الحلبيون أنواعا أخرى، كالفرنسيين مثلاً الذين اخترعوا عشرات الأنواع؟ لماذا لم يخترعوا الجبن الحلوم مثلاً أو القشقوان؟

أعتقد أن الأمر متعلق بأمرين :

الأول: بإمكانية حفظ الأجبان لفترات طويلة تكفي من موسم لموسم وذلك عبر تخزين كميات كبيرة تصل لحوالي 65 كيلو جبن مسنر وسطيا لكل عائلة لتوفير المادة الأساسية على الفطور والعشاء، وللتوفير في ثمنها عندما ترتفع أسعارها في غير موسمها، وهو ما يسمى ثقافة المونة والتموين المقدسة لدى الحلبيين، وهذين النوعين من الأجبان قابلين للتخزين الطويل الأمد عبر كبسهم بالملح بينما لا تصلح بقية أنواع الأجبان لذلك. خاصة أن الأثرياء يقوموا بتوزيع قسم كبير من صدقاتهم عبر تأمين كميات كبيرة من الأجبان للفقراء مع الحرص على ديمومة هذه الكمية وعدم تعرضها للتلف لضمان الأمن الغذائي طوال العام للفقير.

الأمر الثاني المتعلق بتحديد هذين النوعين من الجبن بحلب متعلق بمصدر المادة الأولية لصناعة الاجبان وهي: حليب الأغنام وحليب الأبقار وحليب الماعز. والتي ترد لحلب بكميات قليلة ومحدودة عموما لقلة انتاج الحليب عموما في سوريا مقارنة بأوروبا مثلاً.

إن اختراع الأجبان أساساً هو أحد طرق الحفظ الاقتصادي لمادة الحليب المنتجة، والتي تعاني من سرعة العطب خصوصا في ظل غياب التبريد بالكهرباء قديماً، فكان الاختراع الأول حاجة اقتصادية ماسة وهو تحويل فائض الحليب المنتج إلى لبن قادر على المقاومة قليلاً لمدة أطول من الحليب، وهذا ما اشتهرت به مدينة الباب أحد أهم أرياف حلب التي تربي الأغنام، فكان لبنها ذو طعم لا يقارن لطول الخبرة في التصنيع، ولكن لم يقم مربو الأغنام في الباب بتصنيع الجبن من فائض الحليب واللبن، واكتفوا بتصنيع لبن الغنم البابي ذائع الصيت.

وهكذا ذهبت أول فرصة لتأمين مصدر رئيسي للمواد الأولية الحليبية لصناعة أجبان متنوعة في حلب، بقيت فرصة أرياف جنوب حلب ( قبلي حلب ) التي تضم نوعين من منتجي الحليب : المنتجين القريبين من الطريق العام فيقوم هؤلاء بتحويل حليبهم لجبن ضامنين سرعة وصوله لمدينة حلب ، ومنتجي حليب متوغلين في البرية بعيدا عن الطريق العام ويلاقي هؤلاء صعوبة في إيصال منتجاتهم للمدينة فاختص هؤلاء بتحويل حليب الأغنام إلى سمن حيواني، وهو سمن غالي الثمن يحافظ على نفسه ولا يفسد، ويحقق ربحاً جيداً لمنتج الحليب، وحينها لا يلجأ هذا المنتج لتصنيع الأجبان إلا بنسبة محدودة جداً مكتفياً بأرباحه من السمن. واشتهر السمن الحيواني من حليب الغنم الشهير باسم السمن الحديدي القادم من مناطق الميادين ودير الزور جنوبي الفرات.

بقي عندنا انتاج مربو الأغنام في الخانات والكروم المحيطة بمدينة حلب القديمة، وهؤلاء كان انتاجهم بالكاد يكفي لسداد حاجة سكان المدينة اليومية من لبن الغنم خاصة أن هدفهم الأكبر من تسمين الأغنام في الخانات هو الحصول على لحومها وليس على حليبها، فكانوا يستعينوا بتربية الماعز -غير المرغوب تربيتها لبيعها كلحوم- لانتاج اللبن المسمى "خليط"، وهو لبن منتج من حليب الماعز والأغنام معاً، بينما كانت نسبة كبيرة من الحليب المستهلك يومياً من السكان في المدينة من انتاج الماعز، واشتهر باعة الحليب في حارات حلب الذين ينادون "من بز العنزة يا حليب".

أما حليب الأغنام القادم من الجزيرة السورية أو من حماة أو من جنوب سوريا فيحتاج لآليات تبريد لم تتوفر، وكان لا بد من تصنيعه في مكان انتاجه وفق الذوق الحلبي في تذوق الأجبان لضمان تسويق المنتج في حلب، أو تم إعداده للتصدير لاحقا مما سبب دخول أنواع جديدة من الأجبان الناتجة عن حليب تلك المناطق.

أعتقد أن ضعف الكميات المنتجة من حليب الأغنام، وذهاب معظم هذه الكميات لانتاج اللبن والسمن، كان هو العائق الأكبر في اختراع أنواع متعددة من الأجبان في حلب، وهو سبب اكتفاء الحلبيون بنوعي الجبنة الخضرا المملحة التي تتحول بعد سلقها لتعقيمها إلى جبنة مسنرة، والجبنة الحلوة الخضرة بدون ملح التي تتحول إلى جبنة مشللة وفق الآلية الظريفة التي سنراها في الفيديو المرفق.

يبقى الحديث عن حليب الأبقار وتصنيع أجبانها وألبانها لمرة قادمة، رغم أن الحديث في الفيديو تناول الموضوع في عجالة.

شارك الموضوع مع اصدقائك !!
لمتابعة أحدث منشورات دار الوثائق الرقمية التاريخية على شبكات التواصل الاجتماعي :

مواضيع اخرى ضمن  مكتبة الفيديو

أكثر الكتب مشاهدة

مكتبة الفيديو