كتب جميل ولاية : أحمد بن عمر الفقش، (1895- 1973) مطرب سوري ولد في مدينة حلب وتوفي فيها. ورث عن والده بستاناً كانت إيراداته تكفيه ليعيش مع عائلته في بحبوحة.
يقول العلاّمة محمد خير الدين الأسدي في موسوعته «موسوعة حلب المقارنة»: «ويلفت النظر أن أكثر المطربين الحلبيين من (قرلـق) كأحمد الفقش، ومحمد النصّـار، ومحمد خيري».
اكتشف أحمد الفقش أن صوته لا يقل جمالاً عن أصوات مشاهير النغم حينذاك؛ إذ كان صوته جهورياً، متموجاً في غنّة، فاختار طريقه من دون أن يأبه لما سيعترضه من عقبات. بدأ خطواته الأولى نحو المستقبل بتحصيل العلم والمعرفة، فتلقى علوم النغمة وأصول الإيقاعات علـى يد الفنان عبد الرزاق العقيلي.
عندما فتحت مسارح حلب وملاهيها ذراعيها مرحّبة بأحمد الفقش وفنّه، كان أهل الطرب من مبدعين ومتلقّين لا يزالون يلتزمون بقواعد بناء (الوصلة الحلبية) وتسلسل فقراتها، وكان الفقش حينذاك متمكّناً من إجادة الغناء حسب تلك الطريقة، ومتفوقاً في غناء كل فقراتها، ساعده ذلك على إذاعة شهرته في أرجاء حلب، واقتران اسمه بأسماء كبار فنانيها من المطربين.
أنشد الفقش الموشحات والقصائد والقدود الحلبية والمواويل الدينية في التكايا والزوايا، وفي المساجد والجوامع، في دور الورعين والمتبتّلين من أغنياء حلب وفقرائها على حد سواء. كما غنَّى وأطرب في مسارحها وملاهيها وفي بساتينها ومنتزهاتها.
في سنة 1925، بدأت شركة سودوا الوطنية في حلب بتسجيل الأسطوانات الغنائية لفنانين عرب وأتراك وإيرانيين، وهنود أيضاً، وسجّلت صوت الفنان الفقش في عدد من الأسطوانات، غنّى فيها جميع الألوان الغنائية التي تضمّها الوصلة الحلبية مثل الموشحات، والقصائد، والقدود الحلبية، والمواويل.
بعد ذلك تجاوزت شهرته حلب إلى مدن بلاد الشام الأخرى، ثم تخطتها إلى مصر والعراق.
سافر الفقش إلى مصر، وسجّل عدداً من القصائد والمواويل لشركات تسجيل عدة منها شركة أوديون وكولومبيا وغيرهما.
ودُعي أيضاً إلى إذاعة القدس في فلسطين ليسهم مع فرقة الإذاعة بتقديم عدد من الموشحات القديمة.
وفي سنة 1944 تأسّست أول نقابة للموسيقيين في حلب وانتُخب رئيساً لها.
تتالى إنشاء المعاهد الموسيقية في حلب منذ عام 1946، واقتصر تدريس القدود الحلبية والغناء الشعبي فيها على أحمد الفقش حتى قبل وفاته بوقت قصير.
بعد إنشاء إذاعة حلب سنة 1949 أوكل إليه تدريس القدود الحلبية والغناء الشعبي لجوقة مغني الإذاعة، وكان بين المرددين عدد من مطربي حلب ممن نالوا شهرة واسعة فيما بعد.
اعتزل الفقش الغناء في المسارح والملاهي في أواخر أربعينات القرن العشرين، واقتصر عطاؤه على الغناء في المجالس الخاصة، والإنشاد الديني، والتدريس.
وقد تخرّج على يديه عـدد كبير من الفنانين خاصة في غناء القصائد والمواويل والقدود الحلبية، كـان مـن أشهرهم المرحـوم المطرب محمـد خـيري (الترك) (1935-1981)، ومحمد سليم البر الشهير بـ (محمد أبو سلمو) مواليد (1925) الذي اقتصر نشاطه على غناء الموّال الذي أبدع فيه، ولازالت تسجيلات الفنانيْن المذكوريْن تضمها مكتبات عدد كبير من محبيهما، وتباع في حلب وفي عدد من مدن بلاد الشام.
تأثر بالفقش كل من استمع إليه مباشرة، أو إلى آثاره الغنائية التي اقتصر وجودها على الأسطوانات النادرة التي سجلتها شركة سودوا الوطنية بحلب وهي من ارشيف المحامي علاء السيد حاليا و على التسجيلات التي تحتويها المكتبة الصوتية لإذاعة دمشق، والآثار الأخرى التي يضمّها أرشيف الإذاعة المصرية.
وأشاد به عدد كبير من البحّاثة والمؤرخين مطرباً صاحب أسلوب متفرّد في الأداء، وبجهوده الخيّرة لحفظ ونشر التراث.
بعد وفاته بحوالي 12 عاما في عام 1985، كرّمته نقابة الفنانين في الجمهورية العربية السورية مع عدد آخر من الرواد، ومنحته ميدالية النقابة الذهبية مع براءة تقدير، وقد ورد في التعريف به مع شرح حيثيات التكريم ما يلي:
«كان علماً من أعلام الغناء العربي، وخاصة في القصائد والمدائح والمواويل، وكان أستاذاً في الموّال (الشرقاوي) حيث وصل فيه إلى قمة الإبداع».
من أرشيف المحامي علاء السيد
اضافة تعليق |
ارسل إلى صديق |